لُطف!


السلام عليكم يا قوم 🌚✨
مر بعض الوقت ~ بس يلا هاي رجعنا ببارت جديد
طبعاً البارت ٤١٣٣ كلمة.. منا وهيج اخلي عدد الكلمات بهل عدد وأكثر البارتات.. أن شاء الله التنزيل يكون أسرع من قبل وأسبوعي.


الأهم أنكم لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل البارت، هل شيء يسعدني جداً حتى لو كنتوا ما تعلقون..


أعذروني لو تواجدت بعض الأخطاء، قراء ممتعة✨




لـيـزا:


بدأ آرون بالبُكاء ما إن لَمحني أمرُ بجانبهِ لأُعطي كأس الحَليب لجوليان الذي كان مُنهمكاً بقراءة المَلفات وترتيبها، فبعد عودتهِ للعمل وجدَ الكثير من الأعمال المُتراكمة عليه في فترةِ غيابه.


أخذ كأس الحليب وعاد لملفاتهِ بعدما تناولَ رُشفةً صغيرةً منه، بينما توجهتُ أنا نحو آرون وحَملتَهُ كي يكُفَ عن البُكاء إلا إنهُ أستمر وهو يرضعُ شفتيه ويتحرك يميناً ويساراً كأنه لا يشعُر بالراحة. تبينَ لي أنهُ جائع.. وضعتُ ثديّ في فمه؛ ليرضع.


صمتَ في سكون وأنشغل بالرضاعة، بقيتُ أنا أُراقب جوليان بصمت حتى مرت ربعُ ساعة ونام آرون؛ فحمَلتهُ لسريره ووضعتهُ هُناك بلطف ثم طبعت قُبلة رقيقة على بشرةِ يدهِ الناعمة.


بعدما ذهب الجميع وبقينا أنا وجوليان وآرون فقط في المنزل صار النهار طويلاً، خاصةً إنني لم أذهب للعمل في مركز التجميل منذُ حَملي، لولا حادث جوليان؛ كنتُ سأعود بعدما ألد، فأمي جوليت ستَعتَني بآرون جيداً في غيابي.


رغم أنني لستُ بحاجةٍ للمال لكن سأشعُر بالملل لو بقيتُ وحدي بالمنزل. بعدما تعود كُل العائلة ونعود أنا ويولاند للعمل في مركز التجميل، سأترك آرون عند أمي جوليت وكارمن.


قاطع تفكيري صَوت جوليان المُنبعث من غُرفة المعيشة، لذا أطفأتُ ضوء الغُرفة وخرجتُ مُغلقةً الباب من خلفي بحذر كي لا أوقظه.


وصلتُ حيثُ يجلس جوليان مُسنداً ظهرهُ على الأريكة، وكان قد رمى الملفات بشكلٍ مُبعثر على الطاولة. أصابعهُ أرتفَعت لتُمسد جبينه، أقتربت لأجلس بجانبِه، مسحتُ على كتفيهِ قليلاً: هل لديك صُداع؟


حدَق نحوي، فأتضحت لي نظراتهُ الغائرة أثر التعب. حاولت أن أُخَفِفَ عَنْهُ بإبتسامة لطيفة ويداي لا تزالان تُربتْان على كتفيه: ضَع رأسَك في حُجري؛ لأُدَلِكَهُ لك.


أشرتُ لهُ في آخر كلامي، فمدَ جسدهُ على الأريكة ووضعَ رأسه في حُضني. داعبتُ شعرهُ البُني الداكن بأصابعي، فَفاحت منه رائحة الغسول المُنعشة. لكنه مُغمِضاً عيناه.. يبدو مُرهقاً حقاً.


لمَستُ جَبينهُ برِقة؛ كَي لا أُزعجه، وأخَذتُ أُمسِدُ جانبي رأسه وجبينَهُ بلُطف حتى رأيتهُ يتنَهد بِراحة بين يَدي.


فتَح عيناه، فإنكَشفت غابتان من الأشجار الخضراء ذاتْ اللونِ الداكِن في قزحيتيهِ. نظر نحوي مطولاً مما جعَلني أشعر بالتوتر، فَدفعت وجههُ للجانِب الآخر.


ضحك بعفوية رافعاً حاجبهُ لي: هل تَخجلين؟


- متى فعَلت؟


أجبتهُ بنفس نبرةِ سؤالهِ، رغم إنني لا أزالُ أخجل منه لكني أحاول تخطي الأمر دون أن أُظهِرَ له لكنه فجأة يضعني في أختبارات تَفضحُ أمري مثلَ ما حدَث قبلَ قَليل.


هو لن يُصدِق إنكاري على أي حال لكني لن أمنحهُ الفُرصة؛ لتكرارِ عباراتِه المُلِحة عن موضوع الخَجل.


فجأة سحبَ رأسهُ من حُجري؛ ليَعتَدِل بجَلستهِ بجانبي. رمشتُ لأستوعب ما به. أخذَ هاتفه من على الطاولة بعدما بعثرَ الملفات اللاتي يُغطينَه.


- سأتصل بهم، لأرى ماذا يفعَلون.
قالَها بفضولٍ بينما يُطالع شاشةَ هاتفهِ التي تُصدر أصواتُ نقراتِه عليها، نظرتُ له ببلاهة، ماذا يفعل هذا الآن!


أستفهَمت بإستغراب، فَبمن قد يتَصِلُ جوليان في هذا الوَقتِ من الليل؟
أقتربتُ لجانبهِ، ثم سألتهُ وأنا أُحدِقُ بوجههِ: على مَنْ سَتتصل الآن؟ إنها التاسعة!


- ليس بغريبٍ، إنهُ كريس فقط.
تمتم بخفوت وكان جُل تركيزهُ في شاشتهِ، مددتُ شفتي بملل وركنتُ جسَدي على جانب الأريكة.


حينها تعالى صوت جوليان مُقابلاً لِلصوت الَذي في الشاشة: مرحباً يا خائن.


في الحقيقة جوليان بدا وكأنه سيموت لأنهُ لم يذهب لمنزِل السيد جوردِن، خاصةً أن هُناك بعض الأشخاص الذين يعرفهم من أقارب كريس قد تواجدوا هُناك.


إنهُ من النوع الذي سيقحِمُ نَفسه في أي مكان مُقابل المُتعة. كان يندمِجُ جيداً مع كريس في المُكالمة، لكنهُ نادى عليَّ لأُلقي التَحية؛ فعدلتُ شعري وَرتَبتُ قَميصي لأتقَرب من مجلسهِ. أبتسمتُ بلُطفٍ لكريس: مرحباً كريس، كيف حالك؟


- أهلا، بزوجةِ أخي.. أنا بخير وأنتِ كيف حالكِ؟


- بخير، شُكراً لك.
نبرَتهُ تُشبه نبرة جوليان.. نفس الروح المُفعمة والحماسية، نفس لمعة العيون اللطيفة.. لذا لو أخبر أحدًا غريباً إنهُ وجوليان تؤامان، أعتقد أنهُ سَيُصدِق.


عاد صوت جوليان الصاخب يتردد في المنزل: أين جود؟ هل لا يزالُ معجباً بي؟


قهقه كريس قبل أن يُدير الكاميرا لجانبهِ فيظهر شاب بشعرٍ فاحم، وملامحٌ حادة.. بشرتهُ سمراء وعيناهُ يحملان نظرةً تشي بالقوة والجاذبية. أتضحت صورته أكثر، على ما يبدو إن الهاتِف أصبحَ بيده، قال بصوتٍ ساخِر: سمعتُ أنك قد سقطت لكن لم يتهشم رأسك للأسف!


رَمشتُ عدة مرات على عبارتهِ تلك، لكن جوليان على النقيض كان يُقهقهُ وهو يُحدق بك: لا تقلق لن يتهشَم رأسي حتى أرى رأسك مُهشماً.. فكما تعلم أنا أُقدر مشاعرك كثيراً.


فردَ الآخر بنفسِ نبرتهِ الساخِرة: يالَأحلامكِ الواسِعة يا صغير.


أبتسم جوليان بجانبية رغم أن حدقتيهِ كانتا تَلمعان بسعادة منذُ بدايةِ المُكالمة: حسناً، سأتغاضى عن فضاضتك الآن لأنك كُنت لطيفاً مَعي في الماضي.


عادَ صَوت كريس مرة أُخرى مع صورته: يالكُما من مُزعجان، تتشاجران كالأطفال أمام الفتيات.


حينها أندفع رأسُ كريس بواسطة يد جود الجالس بجانبه، ورافقها صوتهُ وهو يُتمتم: إسمَعوا مَنْ يتحَدث، أسخفُ طفل في العالم والأكثرُ إزعاجاً على الأطلاق.


ضحكتُ على شجارتِهم الصغيرة تلك رغم إنني لم أفهم بماذا كانا جود وجوليان يتحدثان، وكيف صارت علاقتهما قويةً هكذا. لكنني بقيتُ أُراقب جوليان ببسمةٍ صَغيرة.


- يكفي أنتُما الأثنان، أين أُختاي؟
أستطاع جوليان أنهاء محادثتهم المُحتدة، لأنها بدَت وكأنها لن تنتهي؛ فلدى كُل واحدٍ منهُما ردٌ جاهِز على كلام الآخر.


حينها تلفتت كريس من حولهِ قليلاً: سأُنادي على كارمِن أنتظرني قليلاً.


أومأ جوليان بهدوء: حسناً.


تمَ كتم المُكالمة من جانبهِ لمُدة لا تزيدُ عن ثلاثِ دقائق، حتى ظهرَت صورةُ كارمن لنا: مرحباً جولي، مرحباً ليزا!


الأبتسامة تكادُ تُمزق خديها وهي تنظرُ لنا، لوحتُ لها بمرحباً بينما أبتسم. في حين ضحك جوليان على تعابيرها اللطيفة وأخذ يسألها بإهتمام: كيف حالُكِ؟


- أنا بخير، ماذا عنكم؟ وآرون كيف حالهُ؟


- نحنُ بخير أيضاً، وآرون نامَ قبلَ قليل.
أجابها جوليان، بعدها صمت لدقيقة ثم ضيق عينيه نحوها ليقول: كُنت أخشى إننا فقدنا أبنتنا كارمن في عائلة هنري إلى الأبد~


ضحكت هي في المقابل: كلا، أنا حقاً أشتاقُ لكم ولمنزِلنا.


فجأة تدَخل صوت كريس الذي إستعمل نفس نبرة جوليان المؤنِبة: هل تقصدين إنكِ سأمتي من البقاء معنا؟


يا إلهي حقاً كارمن وقعت في مأزق بين هذان الأثنان، فكلهما يملكُ الطبع اللحوح.. بالكاد كتمتُ ضحكتي على مظهرها وهي تحاول أن تُهدِأ من روعِهما. لكنهما في النهاية إنقلبا معاً ضدها، فتركَتهما يتفقان وذهبت.
أكملا هما حديثهما، ورتبتُ أنا السرير ريثما أنتهى جوليان وأغلقَ المُكالمة.


دلفَ للغُرفة، وكانت الأضواء جَميعها مُطفئة سِوى المِصباح الَذي يقبعُ فوق الرف الخشبي الصغير.
مددَ جسده هو وأطلق تنهيدة مُتعبة، بينما كُنت أُمشطُ شعري أمام المرآة، وأفكرُ بشيءٍ قد خطر ببالي قبلَ قليل. ناديتُ عليه فأنتبه لي، ثم سألته: جوليان، هل تتذكر ما حدث حين كُنتَ في المُستشفى، عندما أنتشرت صورة لآرسلاند مع كارمن؟


أعتدَل بجلستهِ وصار يُناظرَني بجدية، لكنهُ لم يُعلِق. فقط أومأ لي كي أُكمِل: هل سَتُمانع يوماً لو أرتبطت كارمن معه؟


مسدَ ذقنه وعيناه الغابيتان تتجولان في المكان، كأنه يُفكر بشيءٍ ما.. في النهاية حدَق بي قليلاً وقال ببساطة: آرسلاند لن يَحب كارمن، لكن أُفكر أذا كانت تُحب كريس أو هو يُحبها لن أُمانع أبداً. في النهاية هذهِ حياتُها من حقها أتخاذِ قراراتِها.


صمتَ مرةً أخرى وأنا اكتفيتُ بالإيماءِ على كلامه، حتى أردَف مُكملاً: هي ذكية، لن تتخذ قراراً غبياً أبداً ولن تقع في علاقة خاطئة، لذا مهما فعَلت سأكون واثقاً إنها فكرت بالأمر مراراً وتكراراً، إلى أن أتخذت خطوتُها.


___________________________________


كـريـس:


كان المَلل يُحيطُ بي من كُل جانب، الجميع مشغول بالهواتف أو الطعام في غُرفة المعيشة.. أما أنا فأجلسُ في مكتبٍ بعيد عن الضوضاء؛ لأنتي مُضطَرٌ أن أقرأ هذا العَقد قبل توقيعه، العملُ يُرهقني أكثر يوماً بعد يوم.. خاصة مع عدم تواجدِ أبي إلى جانبي. لكنني أحرِصُ على أطلاعهِ بكُل خطواتي حتى لا أُخطئ بشيءٍ قد يعود بالفشَل على شركَتِنا.


من جانبٍ آخر، بقائي في الشركة لوحدي يجعلني تحت الأمر الواقع؛ كي أتصرف مثل شخصٍ سيَتحمل المسؤولية هذهِ لوحدهِ ذات يوم.


شعرتُ بعضلاتي تتشنَج أكثر وأكثر، رؤيتي أصبحت غير واضِحة بشكلٍ كامل. سحبتُ أنفاسي وحملتُ كوب قهوتي فوجدتهُ فارغاً. تركتهُ مُتابعاً ما كنتُ أفعله، حتى أكملتُ قراءة كُل العقود، أعَدتُ تنظيمها فوق بَعضِها وأرتَميتُ بظهري على مسند الكُرسي الجلدي المُتحرك.. أغمَضتُ عيناي وأخذتُ أُدلِكُ مابين حاجبيّ؛ لأُخفف من صُداعِ الإرهاق قليلاً، جسدي تمدَد فشعرت بمفاصلِ ظهري وعُنقي تصرخُ من طول أنحنائي. حاولت تحريك رقبتي يميناً ويساراً لكن هذا لم يُخفف.. فغِصتُ في صَمتي، مُستسلماً للتعب الذي ينبضُ في كُل جُزءٍ مني.


لم أشأ أن فعل شيء سوى الراحة في تلكَ اللحظة.. أفرغت رأسي من كُلِ الضوضاء وبقيتُ أدور بالكُرسي المُتحرك بهدوء وبُطء، حتى شعَرتُ إنني قد أنام في أيّ لحظةٍ لولا الصوت الخافت  لإنفراج بابِ الغُرفة.


ألتَفت بجسدي نحو الصوت، فمن قد يأتي في مثلِ هذا الوقت لمكتَبي؟ لكن ما كان غريباً لي إنها جوان؛تقدَمت وهي تحمِلُ كوباً زُجاجياً ذو لونٍ رمادي تَحتضنهُ بكلتا يديها، تتصاعدُ منهُ أبخرة بيضاء خافتة اللون.


أوقفتُ الكُرسي عن الدوران، وأستندتُ بذراعي على سطحِ المَكتب الذي أمام. رغمَ تعبي لم أستطع ألا أرسُم بسمة صغيرة لها، بينما أقتربَتْ هي نحوي بتعابيرٍ ساكنة.. ما أن وصلَت، وضعت القدَح أمامي: أنهُ حليب باللوز، أشربهُ.. سيُفيدك.


نبرتُها هادئة وتعابيرها صامتة، لكن على عكسِ العادة كانت لا تنظُر نحوي أثناء حديثها،  وهذا ما دَفعني لأن أوسِع أبتسامتي بخُبث.. أعتقد أنها مُحرجة من لُطفها نحوي. أخذت القدح وأرتَشفتُ منه قليلاً: لا بأس به.


في الحقيقة مذاقهُ كان جيداً، لكنني تعَمدتُ قول ذلك كي أُغيضها قليلاً.. ونجحت بذلك حيثُ أنها قلبت عينيها بضجر، واخذت كُرسياً في الجهة المُقابلة لي؛ لتجلس عليه واضعةً ساقاً فوقَ الأُخرى: أعلم أنك لا تستحق، لكن لا بأس فأنتَ مُتعب الآن.


ضيقتُ عيناي نحوها: هل تهتمين بي الآن؟
أطلقت هي ضحكة ساخرة: كيف يمكن لعقلك أن يحتوي كُل هذا الخيال؟
أخذتُ رُشفة أُخرى من الكأس: هيا أعترفي، أعرف أنني رجُل مُغري.


لكن حين رَفعتُ عيناي نحوها للمرة الثانية وجدتُها تصنعُ تعبيراً مُتقززاً وبه مُسحة من التَهكُم. ملتُ برأسي نحو كتفي وعلى وجهي أبتسامة جانبية مُحملة بالمكر: ولما تُعطيني تعبيراً كهذا؟ بالتفكير بالأمر، يقولون أذا رفضَ المُتهم جريمته بقوة، فهذا يعني أنهُ فعلها حقاً!


رفعت حاجبيها ونظرت بعيون نصفِ مُغلقة: بحقِ الإله! ما هذهِ الفرضية السخيفة؟


راقبتُها بعيني وأنا أرتشفُ الحليب بهدوء حتى أنهيتُ الكأس: بغض النظر عن السبب، فأنا شاكرٌ لكِ.


لمَحت أبتسامة سريعة وصغيرة عَلَتْ شفَتيها فورَ ما قُلت كلِماتي، لكنها سُرعان ما أخفتها وعادت لتعبيرها الساكن: صحةً وهَناء.


لم أجد ما أقوله فقط أبتسمت لها كَتعبيرٍ عن شُكري، وعدتُ استند على ظهرِ كُرسيّ.. عيناي أتخذتا من الثُرية المُعلقة بالسَقف، هدَفاً لَهُما.. وصار الصَمت سيد المَكان،  لم يزَل ظهري يؤلمني وعُنقي أيضاً. مَررتُ يدي عليهن، محاولاً تسكين الألم.. وأنتهى بي الأمر بالتنهد من قلةِ الحيلة أمام هذا الألم والتعب.


- هل تُعاني من ألم المفاصل؟
كسَرت جوان صمتنا بسؤالها بعدما لاحظت تعابيري المُتألمة ومحاولاتي لتدليك أي جُزءٍ من جسدي، قد تصل إليه يداي، أومأت على سؤالها: أجل قليلاً، بسبب ضغط العمل.. لكن لا بأس بعد النوم سأكون بخير.


- دَعني أُدلك لك عنقك وأكتافك.
عرَضت عليَّ بطريقة سريعة وكأنها لم تتردد في قول كلماتها، نبرتها كانت مثل طفلٍ يعرضُ المُساعدة بشغف. لكنني صُدمت قليلاً مما أبقاني ساكناً أُحدِق بوجهها بصمت، بعدما لاحظَتْ هي نظراتي أخذتْ تبتلِعُ ريقَها وتهربُ بنظراتِها هُنا وهُناك، بللت شفتيها:
أنا..فقَط.. أقصدُ تقديم المُساعدة، كُنت أفعلُ هذا لأبي حين يكون مُتعباً ويبدو أن الامر يُجدي نفعاً، فكما تعلم أنكم تعملون في المكتب وتضطرون للإنحناء لوقتٍ طويل حتى تتشنج العضلات.


خفتَ صوتها في نهاية شرحها وأنزلت عينيها، مُحدِقةً في حُجرِها.. رُبما نظرتي جعلتها تشعُر بالتوتر. لم أحصُل على عرض كهذا من قبل؛ لذا فكرتُ قليلاً بالأمر ولم أجد سبباً قد يَجعلُني أرفُض: حسناً، لنرى مهاراتك إذنْ.


أومأت لي بإبتسامة صغيرة، وركضتُ بخطواتٍ صغيرة حتى صارت تَقفُ خَلفي. اعتقدتُ ان القميص سيُعيقها قليلاً، فَحاولت فتح أول أزراه.. بعدما فتحتُ الزِر الثاني، أردتُ التوقف لكن صوت جوان الذي حملَ نبرةً مُستغرِبة: ماذا تفعل؟


أبتسمتُ بخفوت، تصرفاتها اليوم تدفعني لأستفزازها اليوم لولا أرهاقي: لا تتحمسي، لم أخطط لخلع قميصي بالكامل.. فقط الازرار الأولى كي لا يُعيقكِ.


صمَتت بعد كلماتي، وأعرفُ هذا الصمت الذي يسبق العاصفة خشيتُ ان تأتيني ضربة من الخَلف، لكنها مدت كفيها، وبدأتْ بتَمسيد المنطقة من أعلى عنقي حتىنهايةِ أكتافي، أبتلعتُ ريقي وسكنتُ مُسترخياً تحت يديها، لكن جاء صوتها مُحذراً بحزم فجأة حذر: لا تكن سخيفاً.. وكأنني أهتم أن فعلت ام لا.


لويتُ شفتي، وَرفعتُ حاجبي الأيسر بإستهزاء على ردها.. لقد تأخرت حتى أخرجت هذهِ الكلمات، بالطبع لا أحد لديهِ قدرتي في أيجاد ردٍ على كُل شيء.


أومأتُ على كلماتها حتى انتهت، فباغتها بإلتفاتةٍ سريعة نحوها.. ولأنها كانت تحني ظهرها قليلاً من خلفي كي تُصبح في طولٍ موازي لجلستي.. صار وجهي قريباً من وجهها، لاحظتُ حُدقتيها البنُدقيتان تتسعان.. ومع خفُت الإضاءة إلا أن لونهما البُني كان يترَقرَق في قزحيتيها، يداها توفقا عن التحرك وثبتا فوق كتفي برخاوة. لم أعلم أن لوجهي تأثير ساحر هكذا!


أرتفع جانب شفتي بشبح أبتسامة، ولمعَت عيناي بنظرةٍ عابثة.. تركتُ الأمر يستمر لثوانٍ حتى قُلت بصوتٍ هامس: من الواضح جداً إنك لا تهتمين.


تلقائياً هي أبتعدَت عني بسرعة، بدَت نافرة ووجهها قد أحتقن بالدماء بينما ظهرت عُقدة بين حاجبيها.. رمَقتني بنظرة حادة ثم اشاحت سريعاً لكنتي بقيتُ بنفسِ تعابيري الهادئة وعلى وجهي تلك الأبتسامة دونما أقول شيئاً.


كتفَت ذراعيها لصدرها، ثم انسحبت من خلفي لتقول دون أن تنظُر لي: تُصبح على خير.


بعدها لم أسمع سوى صوت أنصفاق الباب بقوة، أوتش! تبدو غاضبة جداً.. لكن كنتُ امزحُ معها لما غضبَت مني هكذا؟


ليس لدي طاقة للتفكير بالأمر، فقمتُ ومددتُ جسَدي حتى سمعتُ طقطقة عظامي بعد طولِ فترة جلوسي.
أخذتُ انفاسي بعمق وأغلقت المصباح الصغير فوق المكتب الخشبي، ثم خرجت مُغلقاً الباب من خلفي.


كان يتعين عليَّ قطع مسافة المَمر المؤدي لغُرفةِ المعيشة؛ لأن غُرفة المكتَب تقبعُ في نهاية المنزلِ، لتكون بعيدة عن كُلِ الضوضاء كما يُريد أبي.


وجدتُ آرسلاند وجود يجلسان معاً بينما التلفاز مفتوح وصوتهُ يتردد بالمكان دون أن يُشاهده أحد، انهما مشغولان بالهاتف. وقفتُ لانظر لهما قليلاً، فرفع آرسلاند رأسه نحوي: تبدو مُتعباً.


أومأتُ له، وبالكاد كنت أحرك رأسي: أجل، سأذهب لأنام.


هز رأسه بتفهم: حسناً، طابت ليلتك.


تركتهما بعدها وذهبتُ للأعلى، قبل أن أدخُلَ غُرفتي طرقت باب ديلا.. كانت أصوات الفتيات تنبعث من  غرفتها، يبدو أنهن يقضين وقتهن معاً. انتظرتُ قليلاً حتى خرجَت لي، سبحتُها من ذراعها بهدوءٍ على جنَب: غداً قومي بدعوةِ جان على العشاء، ولا تُخبريهِ إنني طلبتُ هذا منكِ.


كانت تحدق بي ببلاهة وكأنها لم تستوعب ما أقول، نقرت جبينها لأنتهي من هذا بسرعة: هل فهمتِ؟


- آه.. نعم، أقصد أجل، سأفعل.
نبرتها مُتوترة وقلقة مثل تعابيرها المُضطرِبة، لا أعلم لما هي قلقة هكذا؟ على كُل حال لم أُحب أن اُضيع وقتي أكثر، تمنيتُ لها ليلةً طيبة ودَلفتُ لغُرفتي.. وما أن رميتُ جسدي على السرير لم أشعر بنفسي حتى غططتُ بنومٍ عميق قطعهُ صوت المُنبه في السابعة صباحاً.



___________________________________


كــــارمــن:


كُنا أنا ويولاند وجوان نَجلسُ في غُرفةِ ديلا، بينما كريس كان مشغولاً بعملهِ في المكتب وريثما أنهى مُكالماتهِ مع جوليان قال بإنه سيبقى يعمل لوقتٍ مُتأخِرٍ كي لا نبحث عنه. بدأت ديلا تحكي ليولاند وجوان عن علاقتها بجان وكيف تطورت الأمور. جوان أعطتها تعبيراً مصدوماً: هل حقاً فعلتيها يا ديلا؟


ضحكت ديلا بإنحراج: أجل، والآن هو يُريد الزواج مني.
تنهدت يولا وطالعتها بشك: هو؟ وماذا عنكِ؟
راقصتْ حاجبيها بعبث في آخر كلامها، أبتسمت ديلا وكان وجهها قد طفت عليه حُمرةً خفيفة اثر الخجل: في الواقع أُريد ذلك، لكن عليَّ التأكُد رأي عائلتي أولاً.. لا أُريد أن تحدُث أي مشاكِل.


ربَتت جوان على كتفِ ديلا قائلةً بنبرةٍ مُطمئِنة: كريس سيكون بجانبكِ لا تقلقي.


صمَتُّ أنا أُفكر بالأمر ملياً.. هل حقاً سيكون بجانبِ ديلا؟ ومالذي يجعلُ جوان تقول هذا بثقةٍ كبيرة هكذا!
في المُقابل لكلام جوان أردفت يولاند: أعتقدُ ذلك أيضاً، كريس شخص سهلُ الطَبع ولطيف، لن يُمانع لو رأى أن جان يُحبك حقاً.


زَفرت ديلا أنفاسها بصوتٍ مَسموع ويائس:
أتمنى ذلك.


مرت لحظاتٌ قصيرة من الصَمت قطعتها جوان حين قامت: عليَّ أن أذهب لكي أنام، تصبحون على خير.


- حسناً، أذا كنتِ تشعُرين بالنُعاس فأذهبي.
أجابتها ديلا بصوتٍ حنون وهي تُمسد ذراعها، أما انا ويولاند أكتفينا ببسمةٍ صغيرة لها وقُلنا: وأنتِ بخير.


خرجت جوان فبقينا مع ديلا لوحدِنا، وأستمرينا بتبادل الأحاديث. في الحقيقة أنا لم أتحدَث كثيراً، أغلب الوقت قضيتهُ بتصفُحِ هاتِفي لكن ديلا ويولاند كانتا يتحدثن كثيراً عن أمور لم أهتم بسماعِ أغلبها.. فجأة قطع حديثهُن صوتُ طرقاتٍ على الباب، فقامت ديلا: سأرى من على الباب وأعود.


لكنها ما إن فتحت الباب حتى خرَجت وأغلقته خلفها، ثُم عادت بعد دقيقتان وعلى وجهها تعابيرٌ مصدومة!
لمَست وجهها المُحمر مراراً وتكراراً، بعدها وضعت يدها على صدرها وكأنها تُهدِءُ نفسها: يا فتيات!


تركتُ هاتفي من يدي بعدما لاحظتُ نبرتها وتعابيرها، وشخصتُ انظاري نحوها بقلق وكذلك كانت ردةُ فعلِ يولاند. شعرتُ ببعض القلق لكنها أبتسمت بتوتر ورمت جسدها بجانبي على السرير: لقد كان كريس على الباب، وأخبرني أن أدعو جان على العشاء غداً، لكنه قال يجب ألا يعرف جان بأن الدعوة هو من أقترحها.


قفزت يولاند بأستنتاجها السريع: يُريد أن يختبره!


ضربت كتفها بخفة قبل أن تبدأ بالتصرف كالمحقق: فقط أهدأ يا شارلوك هولمز، الأمر واضح لا داعي لسلسلة تحقيقاتك.


دفعت يدي وهي تُحدق بي بملل، لكن ديلا كانت خارج عالمنا. سألتنا بحماس وهي تحملُ هاتفها: هل أتصل بجان الآن؟


أشارت لها يولا بيدها كي تحثها: أجل، ماذا تنتظرين؟


- حسناً، حسناً سأفعل.
قالتها بسُرعة وفتحت شاشة هاتفها التي أنعكس ضوءها على وجهها، لكن يولا أستوقفتها مرةً أُخرى: أنتظري حتى نخرج أنا وكارمن ثم أتصلي وتحدثي براحتكِ معه.


تحركت أنا في مكان وكان النُعاس قد بدأ يتسلل لي، فكانت نهاية سهرتنا هُنا. شعرتُ برغبة في الذهاب إلى الفراش والنوم بعمق.. كما أن موافقة كريس الغير مُباشرة جعلتني أطمئن على ديلا.


هممنا أنا ويولا بالمُغادرة رغم أن ديلا شاءت لو بقينا معاً لوقتٍ أطول، لكنني أخبرتها بأنني أحتاحُ للنوم وكذلك يولاند أرادت أن ترتاح، فتمنينا لها ليلةً طيبة وخرَجنا.


غُرفتي كانت الأقرب لغُرفة ديلا، وضعتُ يدي على المقبض لأفتح الباب إلا أن صوت يولا أستوقفني عندما نادتْ بأسمي، وقفتُ أنظُر لها بعيون ناعسة: ماذا؟


أبتسمت بشكلٍ لطيف ومالت برأسها نحو كتفها، أعرفُ هذهِ التعابير متى تظهَر.. فقط عندما تحتاجُ خدمة ما.
زفرتُ الهواء بقلةِ صبر: تحدثي بسُرعة ماذا تُريدين؟


رمشت بلُطف مُزيف: أحضري لي قنينة مياه باردة من الأسفل.


توقفت قليلاً حينما لاحظت نظرتي المَلولة من طلبها، فأردفت بنبرة رجاءٍ أكثر: أرجوك!


- حسناً، فقط هذهِ المرة.
قلتُ بإنزعاج وأفلتُ مقبض باب غُرفتي، كي أذهب نحو الدرج لكنها أوقفتني مرةً أُخرى لتسحب وجنتيّ بقوة: أُختي المُطيعة واللطيفة.


تحدثني وكأنها تُحدث آرون! تعتقد أنها ستستعطفني بهذهِ الحركات لكن الأمر طبيعي بالنسبة لي فقط سأجلب لها قنينة المياه لأنني لا أُريد سماع أزعاجها أكثر من ذلك. دفعت يدها عني وأنطلقت على الدرج، جعلتني ألعن في داخلي بسبب الألم الذي تسَببتهُ لي عندما قرصَت وجنتاي.. دلكتهن بلُطف وأكملتُ طريقي نحو الأسفل.


بعدما تَخطيتُ الدرَج رأيتُ جود وآرسلاند يجلسان معاً أنتبها لي لكني تحاشيتُ النظر نحوهما، أو بمعنى أدق نحو آرسلاند. تابعتُ طريقي دونما أنظُر لأي وجهةٍ غير التي تقودني للمطبَخ.


وجدتُ بعض الصحون المُتسخة فوق مغسلة الصحون، لم أستطع تحمُل المنظر فقمتُ بغسلهن كي لا يبقى المَطبخ بشكلٍ غير نظيف أو منظم.. جففتهن بسرعة ووضعتهن في مكانهن المخصص.


فجأة فُتِح باب المطبخ من خلفي، ألتفت لأرى آرسلاند بشعرهِ المُبعثر وقميصهُ الذي يكشف ذراعيه. أبعدتُ نظري عنه بسرعة وأكملتُ ترتيب الصحون ثم أنطلقت نحو الثلاجة لكنه سبقني بفتحها قبلي.


فأبتعدتُ خطوتان للوراء وكتفتُ ذراعيَّ حتى ينتهي؛ لأتَقدَم أنا.. لأنني لا أُريد الأصطدام به بأي شكلٍ من الأشكال.
لقد مرَّ يومان على آخر حديث تبادلتهُ معه في الحَديقة، ومنذُ ذلك الوَقت أنا أتجنبهُ بشكلٍ واضح.. حتى إنني لا أُحدِقُ في وجههِ ولا أُدقِقُ في تفاصيله الآن. وهذا هو الخيار الأفضل لكلينا، فعلى ما يبدو إنه يخشى كثيراً على كبريائه؛ لدرجة أن يرفض أي معروف أو مُساعدة من أحد.


لكن مع كُل وقحاته لو عادَ بي الزمن لتلك اللحظات التي لم يكن بها على ما يرام، سأفعل نفسَ الشيء ولن أُبالي مهما كانت ردة فعله. من خلالِ الفترة التي قضيتُها في هذا المنزِل يُمكِنَني أن أعرف نقطة مهمة جداً عن آرسلاند وهي "التناقُض".


هو من الأشخاص الذين سيصدموك بتصرفاتهم ورداتِ فعلهم في كُلِ مرة، فحتى بعدما صرتُ أتجنبه ولا أعتقد إنه غبي حتى لا يُدرك تَجنُبي له. لكن هذهِ المَرةُ بالذات لم أنتظر منهُ تبريراً أو أعتذراً على طريقتهِ الوقِحة في الكلام معي. لن أُشغل بالي بأي فكرةٍ قد تُعكر صفو أيامي.


- هل تُريدين قولَ شيءٍ ما؟
باغتني بسؤاله فجأة، نظرتُ له لكنه كان ينظر لمحتويات الثلاجة دون ان يُكلف نفسه بالإلتفات نحوي أثناء السؤال.. ثم ما هذا السؤال السخيف؟ ماذا يتوقع مني كي يسأل بحماقة هكذا؟!


أجبتُ بأقتضاب وأنا أُحدق على جانبي الأيسر، دون أن يكون لعيناي هدفٌ واضح: وماذا أقول مثلاً؟


- إذن لماذا تقفين هناك مثل حارسٍ شخصي وتنتظريني؟
نبرةُ سؤاله كانت ساخرة، مما دفعني للتحديق به بقوة.. لكن تعابيره حملت لامُبالاة وسُخرية أيضاً. قبضت بيدي على مرفق يدي الأُخرى بقوة كي أُسيطر على ردة فعلي إتجاهه.. هل حقاً يتوقع إنني أنتظِره؟ يالهُ من شخصٍ ذو خيالٍ واسعٍ حقاً !


- لم أنتظرك أنتَ لكن أنتظر فرصة أبتعادك عن الثلاجة كي آخُذ قنينة المياه.
أجبتهُ بجفاء وحدة، لم أتوقع أن أكون مُنزعجة من شخصٍ هكذا طول حياتي.. لكن كلما تذكرت طريقته في التعامل معي آخر مرة، وكيف أساء فهمي أشعُر بالإستياء والإنزعاج.


لم أسمع أجابةً منه سوى صوتِ أغلاق الثلاجة، فنظرت نحوه لأرى انه يحمل بيده عُلبة الزيتون ويستند بظهرهِ على باب الثلاجة. كان يمضغ زيتونة بفمه ثُم رمى نواتُها ليقول بتعابيرٍ مُسترخية: وهل ترين وحشاً أمامكِ كي لا تقتربي بينما أنا موجود؟


- بل ما هو أسوأ.
قُلتها بصوتٍ مُنخفض لكن يستطيعُ سماعه، هي فقط خرجت من فمي تلقائياً لم أكُن أعنيها بالمعنى الحرفي. رفعَ هو حاجبه ورسم أبتسامة جانبية ساخرة: هل أُخيفكِ لهذا الحَد؟


نظرت له بملل وزميتُ شفتي كي لا أقول شيئاً سخيفاً دون تفكير، سحبت أنفاسي لأهدأ: أبتعد عن الثلاجة الآن، أنها ليست أريكة لتستند عليها.


بعد كلماتي توقعت أن يتزحزح قليلاً لكنه رمى زيتونة في الهواء ثم التقطها بفمه، وحدق بي بأستفزاز: يُمكنني أن أستند حيثُ ما أُريد، لا تُعلميني ما أفعل.


فكتت عقدة ذراعي وتنهدت بقلة صبر. ليس لدي وقت؛ لأُضيعه معه في المُماطلة والأستفزاز. تقدمت نحو باب الثلاجة وأمسكت بالمقبض، أنتَظرتُه كي يبتعد عن الباب لأستطيع فتحه.. ودون فائدة بقى يحدق بي ببرود وأنا أُحدق به بقوة. هو يعلم أنني أريد فتح الثلاجة لهذا بقى ثابتاً هُناك؛ من أجل أستفزازي أكثر.


من ذلك القُرب وتلك النظرة الثابتة التي قابلت كستنائيتيَّ عيناهُ العسليتان، أستطعتُ رؤية تفاصيلهُ بصورةٍ واضحة.. من الخطوط الصغيرة التي تنرسم في بحر العسل المُترقرق في قزحيته، إلى تُفاحة آدم التي تتحرك في بلعومه كلما أبتلع زيتونه.


كانت عيناهُ تتحرك مع حركاتي وأنا أتذمر بصمتٍ من تصرُفه، يبدو كأنه يعلم بإنزعاجي منه، لكن ألا يجب أن يتعذر مثلاً لو كان يُريد تصحيح الأمر؟ أم يجلس ويستفزني هكذا؟


أفلتُ المقبض ووقفت أمامه مُباشرةً، كتفت ذراعيّ لصدري ثم سألتهُ بصوتٍ مُتهكم وتعابير مُنزعجة: يبدو أنك من يُريد قول شيء؟ هلا تحدثت بسُرعة رجاءًا؟


أبتعد عن الباب قليلاً، وأدار ظهرهُ لي.. فتبين كم أن منكبيه عريضين من الخلف، بللت شفتي وأبتلعت ريقي بتوتر؛ لأن تعابيرهُ أنزاحت منها كل المعالم الساخرة وسكنَتْ. وضع عُلبة الزيتون ثم ألتفَت حاملاً قنينة المياه. أستند مجدداً على الباب وطوق خصرهُ الرياضي بكفيه الأسمرين.


بقتْ نظراتي الغاضبة تُصيبهُ رغم سكون تعابيره ونظراته عندما يُحدق بي، أغمضتُ عيناي بعدما صار الوضع مُملاً ونحن نحدق ببعضنا مثل الحمقى هكذا، فتحدثت بلامُبالاة: أذا لم يكن لديك شيء تحاول قوله، فأبتعد عن الباب لو سمحت.. أحتاج أن أخذ قنينة المياه من هُناك.


أشرتُ للثلاجة في نهاية حديثي، لكن وكأنني أُحدث الجدار لا هذا البشري ذو الرأس المُتحجر، تنهد هو بعد كلماتي وبدا كأنه على وشكِ قولِ شيءٍ ما. عقدتُ حاجبيّ وترقبتُ ما سيقوله لأنه يبدو جاداً في هذهِ اللحظة. بالفعل أخذ يقول كلماته بصوتٍ رخمٍ دون أن يُعمق نظره في عيني مثل كل مرة: ما كان يجب عليّ التحدث معكِ بذلك الأسلوب، لكني كُنت مُتعباً ولم أصغ تحذيري بطريقة جيدة.. كما أنني لا أُريد أن يقلق الآخرين عليّ دون سبب.


لم أنبس بأي كلمة طالما كان يتحدث بطريقةٍ جعلتني ألتمسُ الصدق في صوتهِ هذهِ المرة، لم يكن مُتهكماً ولا حتى آمرًا أو ساخراً.. بل هذهِ أكثر المرات التي شعرت بها أنهُ يتحدَثُ بصدقٍ وشفافية واضحة على وجهه. لم أستطع أن ابقى بنفس تهكُمي.. فبدأت تعابيري ترتخي رويداً رويداً، ثم أكمل هو مُسترسلاً بحديثه: أنا أتفهم قلقك وشاكرٌ لتصرفك في تلك اللحظة حين لم تُنادي أحدًا وتصرفتي بمُفردك، كما أنك لم تسألي عن السبب وهذا شيءٌ مُريحٌ بالنسبة لي. لذا أرجو ألا تبقي منزعجة مما حدث في آخر أيامك معنا.


نظرَ لي في نهاية حديثه وكان يبتسم أبتسامة صغيرة وخفيفة! لم أُصدق ما أراه فقط رمشت عدة مرات حتى تفرقت شفتاي بدهشة.


لقَد أبتسم! إنها الأبتسامة الخفيفة التي تكون لطيفة وتُذيب القلب مثل ما يفعلُ الحليبُ الدافئ بالسُكر~
لم أتوقع أبداً أن يفعل ذلك، لقد صدمني بلطفهِ أكثر من كلامه.. في الحقيقة بدا لطيفاً جداً وعيناه تلمعان ببريقٍ سحري فوق عسلهما الطائف.


ما أدركت أنني قد شردت حتى شعرت بيده الدافئة وهي تُلامس ظهر كفي، نظرت ليده تحتضن يدي ولم أقوى على الكلام أو قولِ شيء.. فرفعت كستنائيتيَّ بتردد نحو بركتيّ العسل خاصته، لكن ما جعلني أرمش بغرابة كاسرةً صمت اللحظة.. هو أنه وضع قنينة المياه التي كان يحملها بيدي.


بحق الإله! بأي خيالٍ غرقتُ أنا؟
ياللعار تُرى هل كان واضحاً أنني وقعت للمسته؟
هل شعر بإنني لم أدرك أنه حاول وضع القنينة فقط؟
تُرى ماذا يُفكر عني الآن!


رغم صمود مظهري أمامه إلا أنني تشتتُ في داخلي مثل حفنة رمال، سحبتُ يدي من يده بسرعة ولسوء الحظ سقطت القنينة.. أرتبكت اكثر وأنحنيت لأرفعها، وهُنا شعرت بينما أحاول الوقوف أن دمائي تجمعت في وجهي وقلبي هوى ثم عاد لمكانه، بسبب توتري من لُطفِ آرسلاند المُفاجئ.


بدا أنه لاحظ الفوضى التي أحاطت بي، فأردف مُحدقاً نحوي بتركيز: أتمنى أن سوء الفهم قد تم حلهُ الآن؟


تهربتُ بنظراتي عنه وأتخذت من القنينة منفذاً لأعبث بها، تنحنحت قليلاً ثم سحبت أنفاسي: لا بأس، لكن لا تكن مُتسرعاً في ردات فعلك مرةً أُخرى.. وأنا لا أحتاجُ شُكرك فقط كن أكثر عنايةً بإنتقاء كلماتك وقت الغضب.


لطالما أردتُ قول هذه الكلمات، لذا هذا هو الوقت المناسب لقولها، رُبما سينزعج أو يغضب لكن لا يهمني طالما أنه لم يعتذر بشكلٍ صريح لن أكون لطيفة بالكامل.. كنتُ سأقسو عليه أكثر لولا ابتسامته اللطيفة التي أشهدها أول مرة.


صمت هو بعد ما سمع كلماتي ولم ينظُر لي، بل أشاح بعيداً ويبدو أنه أنزعج حقاً.. لكن ما رأيتهُ على وجهه لم يكن شيئا استطيع تفسيره بدقة. عاد الغموض يتكنزُ تعابيره الوسيمة.


أعتدل بوقفته مُبتعداً عن باب الثلاجة، نظر لي نظرة خاطفة وهو يسحب جسده وعطره من جانبي مُبتعداً نحو الباب. تمتم بصوتٍ هادئ: طابت ليتلكِ.


لم أعلم لما صار هكذا لكن أرجو أن يُفكر بكلماتي ملياً. فبسبب تسرعه قد يخسر الكثير، ولن يجني غير الندم.


____________________


أحم، أحم شنو رأيكم بكريس؟


جوان وتصرفاتها؟


لطف آرسلاند المُفاجئ؟


مومنت آرس وكارمن؟


أي مشهد حبيتوا اكثر؟





‏"أتمنى أن تعرف أنك محبوب ووجودك مهمٌ في هذه الحياة، وآمل أن تصبح الأمور أبسط وأكثر خفة بالنسبة لك، وأن يلفك السلام والراحة مثل وشاح دافئ، وأن تقضي أيامك بين أشخاص يستحقونك وفي المكان الذي تحلُم به، آمل أن تعيش غير محتاجٍ لأطواق النجاة، أو لأحدٍ يرمم بعثرة قلبك."🌸.

Comment