عن الماضي~

سلام 🌝✨
تأخرا عليكم؟ لا.. وهل بارت طويل وحلو عسى يعجبكم.. اعتذر عن الاخطاء، قراءة ممتعة 💕✨.

كــارمـن:

تجهزتُ للأُمسية مع الفتيات، ولم أبالغ بأختيار ملابسي.. أكتفيتُ بفستانٍ أبيضٍ خفيف ويُغطي ساقيّ لما تحت الرُكبة بقليل، ورفعتُ شعري على شكلِ كعكة.. لأنها أمسية شبابية بسيطة، لا احتاج للتكلف كثيراً.. خرجتُ من الغُرفة فرأتني جورجينا ولم تتوقف عن قول الكلمات اللطيفة حول مظهري، أنها طيبةُ القلبِ حقًا، حتى تكفلت برعاية آرون كي يتسنى لليزا وجوليان الذهاب معنا.. حتى يتصالحا على الأقل.

لكن جورجينا أعطتني سترةً بخيوطٍ صوفية ناعمة قائلة بإن الطقس سيبرُد في الليل، لذا قد أحتاجها، لم أجادلها وأخذتها منها بإمتنان.. فهي تعرفُ عن طقسِ قريتها أكثر مني.

بعدها أرسل لي آرسلاند رسالة يطلبُ فيها مني أن أخرج وألقاه عند الحافلة ريثما ينتهي الجميع، أمتثلتُ لأمرهِ بعدما قبلتُ آرون وودعت جورجينا وفيكتور ثم خرجتُ فرأيتهُ يقفُ مع الشباب.. كانوا كُلهم مهندمين بأناقةٍ بسيطة، هو يرتدي بنطالاً من الجينز ذو اللون الفاتح مع قميصٍ بلونٍ أزرقٍ باهتٍ جداً، يُعطي طابِعًا مُنعِشًا مع مظهر شعرهُ المُسرح.

التفت نحوي عندما أقبلتُ عليهم ثُمَّ ابتسم، اتسعت بسمتي تلقائيًا لكن كل العيون كانت مصوبةً نحونا فأشحت نظراتي بإحراجٍ بسرعة، ثم بللت شفتي لأخفي توتري قبلما أنظرُ مرة أخرى بعدما أصبح أقرب إليهم.

في المرة الثانية عندما رفعتُ عيني نحوه آرسلاند، رأيت جوليان يُحدق نحوي بحاجبين مرفوعين بصدمة.. وفمٌ مفتوحٌ ببلاهة، بينما كريس مع جود يحاولان كبت ضحكتهما عليه، شعرت ببعض التوتر لكنني تماسكت وتقدمت بثقة لأقول: مساء الخير.

- أهلا بالآنسة الأنيقة~
رد كريس بطريقة عابثة وضحك، بينما رد الآخرون بهدوء.. سوى أن نظرات آرسلاند زادت توتري لشدةِ تحديقه نحوي بتلك الجرأة أمام أخي وأخيه وجود!

أعرف إن جوليان لاحظ تقاربي مع آرسلاند منذُ الصباح، أو رُبما منذُ مُدة؟ لا أعلم بالتحديد، لكنه يملكُ فكرةً عن أعجابِنا ببعض.. فهو لا تغيب عنه تفاصيلًا كهذه~

عندها نظرتُ له وابتسمت.. حاولت قدر الإمكان أن أبدو طبيعيةً وهادِئة، مُتقبلةً لردة فعله لكنه ببساطة أرخى كتفيه وتنهد: لا بأس، ليزا بالكاد بدأت ترضى عليّ بعدما حصل مع ذلك الوغد، سأصبر على هذا الوغد أيضًا.

كان يقصدُ بالوغد الأول جود حيث وجه أنظاره نحوه عندما تحدث، وقصد بالوغد الثاني آرسلاند.. رمقاه الإثنان بملل وقال آرسلاند بسخرية: حسنًا إذن حافظ على زواجك، ولا تتدخل في شؤونِ الآخرين.

ربت كريس على كتف جوليان وعانقه نصف عناق: لا بأس يا صديق، أرضي زوجتك أولاً ودعك من كل هؤولاء الأوغاد.

رمشت نحو كريس بصدمة: هل تقصدني يا كريس!

رمقه آرسلاند بقوة مُنتظرًا رده، فأجاب بسخرية مستفزة وهو يحدق بين جود وآرسلاند ثم يشير نحوهما بأصبعه: بل أقصد هذان الأثنان.

أسرع جود بالقول لآرسلاند: دعنا لا نَردُ على السفهاء آرس.

فصمت آرسلاند وتجاهلهم ثم نظر للساعة: أين الآخرين؟

- نحنُ هُنا~
قالت يولا بصوتٍ مُلحنٍ  من خلفينا، كانت قد حضرت هي وليزا وجوان من جهة، ومن جهة أخرى صدح صوت جان الذي جاء مع ديلا: ونحنُ أيضًا هُنا.

- إذن سأقود أنا.
قال جود بينما يخطو نحو الحافلة، تبعه كريس بحماس: سأجلس بجانبك.

هُنا توقف جود للحظات وطالع كريس بصمتٍ طويل، حتى أن كريس رمش بأستغراب قبلما تمتد يد جود لتُربت عليه بلطفٍ ثم تدفعه عن الطريق، بعدها التفت ليولا وأشار لها برأسه نحو المقعد الأمامي، ضحكت على مظهر كريس المصدوم وتقدمت بفخرٍ مع جود نحو الحافلة.

بدأ الآخرين بالصعود، أما أنا فلم أشعر ألا ويد آرسلاند تقبض على يدي.. رفعت عيناي نحوه فأبتسم وهمس: هيا.

شعرتُ بالحرية لأنني لستُ مضطرةً لأخفاء الأمر عن جوليان، فعانقت يدي يده ومضينا نحو الحافلة.. حيثُ شجارات كريس، وغزليات جان وديلا.. وخُبث يولا مع جود علينا~ أما جوان فكان كريس يستعملها كمحامي له كلما قال شيئًا غبيًا طلب منها الدفاع عنه أمامنا وهي لم تكف عن اعطاءه التعابير الضجرة~

_____________

وصلنا حيثُ الموقع الذي بعثه جاكوب، فرأينا تجمُعًا شبابيًا حول النار المُضيئة في الوسط، وأماكنُ منصوبةٌ بها خيمٌ للتخيم.. أصواتٌ ضجيجٍ وعزفٍ وغناء.. ضحكاتُ فتياتٍ ومُزاحِ شباب، روائح اطعمة كثيرة تتداخلُ في الأجواء أيضًا، قال كريس بحماسٍ وعيونٍ لامعة: كم يعجبني هذا!

أيده جوليان بنفس الحماس: وأنا أيضًا.. طقسٌ من الحُرية والمرح، بعيدًا أبتذال المثالية الذي يزخر به العمل.

هز جود رأسه بأسى: محرومان~

أخذ آرسلاند بيدي وتقدم نحو الجموع ومن خلفه الشبابُ والفتيات .. كان يمشي بثقة وهيبة كأنهُ أسدٌ يُقبل على غابتهِ، حينها لاحظنا جاكوب فتقدم هو الآخر مع أحدى الفتيات الشقراوات، صافح آرسلاند بحرارة وقال مُرحبًا بنا: أهلا بصديقي الجديد، كُنا بأنتظاركم.

ابتسم آرسلاند وبادله المُصافحة بنفس الحماس، ثم التفت نحو جود وجوليان وكريس ثم نحو الفتيات: هؤولاء أقاربي، أنهم كُثرٌ لأقوم بتعريفك بهم.. تعرف عليهم بنفسك.

ضحك جاكوب وربت على كتف آرسلاند: لا عليك، تفضل أنت والآنسة كارمن الآن.

ابتسمت على مضضٍ ثم رحبت بنا الفتاة التي معه وقادتنا نحو مكانِنا بينما بقي جاكوب يُرحب بالآخرين خلفنا. كان هُنالك عددٌ كبير من الحضور تقريباً ثلاثين شخصًا عدا مجموعتنا نحن.

الطقسُ أخذ يبردُ فعلاً والظلام حل تماماً سوى ضوءُ القمر المُنبعث من احشاءِ ظُلمة السماء المُلبدة بغيومٍ مُبعثرة، اما بالنسبة للتجمُعِ هذا فكان يُقام حول حلقةٍ عريضة من المفروشات الأرضية وفي الوسطٍ نارٌ مُضيئة، وهُناك بعضُ الشُبان يحملون الآتهم الموسيقية، بينما الفتيات يُحضرن الأطعمة والمشروبات.. رحبوا بنا جميعًا بحرارة وكانوا قد جهزوا مفارشًا أرضية لجموعتنا خصيصا، لذا جلستُ أنا بجانب آرسلاند وبجانبي جوان ثم كريس، ثم الآخرين كُلٌ مع من يُحب.

مر الوقت ونحنُ جالسون بين فريق التخيم، انتبهتُ لآرسلاند وقد كان يجلسُ بهدوءٍ وابتسامة صغيرة على وجههِ، تنمُ عن رضاه على المكان والأشخاص.. لاحظ هو مطالعتي له فالتفت نحوي بنفسِ التعبير اللطيف وسألني: هل تشعُرين بالأرتياح؟

هززتُ رأسي بالإيجاب: نعم كثيراً، لا تقلق واستمتع بوقتك.
بالفعل كنتُ مُستمتعة وهادِئة فكل شيءٍ باعثٌ للراحة والمُتعة، في هذه الأثناء سمعتُ صوتًا قريبًا لفتاةٍ تقدمت نحوي حاملة زجاجاتِ عصيرٍ على عددنا: تفضلي.

رفعت رأسي تلقائيا نحوها فرمشتُ بصدمة! هذا الوجه مألوفٌ لي! العينان الغامقتان وهذا الشعرُ المُجعد.. الأبتسامة العريضة! بذات الوقت هي حدقت بي بوجهٍ مُتعجب ثُم سُرعان ما لمعت عيناها ببريقٍ سعيد ورمت عُلبة العصائر للفتاة الواقفة بجانبها وهبطت بجسدها نحوي لتُمسك كلتا يدي: كارمن!

- أندو!
قلتُ بذات الصدمة والابتسامة العريضة، ثم اردفت هي بضحكة وتعجب: هذهِ أنتِ حقا كارمن! كيف حالكِ؟

كُل الأنظار توجهت نحونا بتعجُبٍ في تلك اللحظة، حتى آرسلاند كان يرفع حاجبهُ بإستغرابٍ وأستفهام، فضحكت أنا من غرابة الصدفة وقالت: كُنا زميلتان في الثانوية.

التفت هي لرِفاقها واخفت ضحكتها بيدها كعادتِها في الماضي: لا عليكم اكملوا أمسيتكم، لقد التقيت بصديقةٍ قديمة الآن.

لم أتوقع أن التقي بأحدٍ أعرفهُ هُنا.. على الأقل شخصٌ من مدرستي، لكن أندو لطالما أحبت التخيم حقًا وكانت لا تفوت فرصة للمشاركة بالتخيم المدرسي، أو رحل التخيم التي تُقيمها المُحافظة أو الدولة.. أنها فتاة مُفعمة بالطاقة والنشاط، كثيرة الحركة والكلام.. سرعان ما عدلت جلستها وبدأت تسألني: كيف حالكِ يا فتاة؟ أين أنتِ الآن؟ وماذا تفعلين هُنا؟

توالت عليَّ الاسئلة حتى لم أعرف ماذا أُجيب منهُن، لم يسعني سوى أن أضحك على عادتِها هذهِ التي لم تتغير ثم قلت: أنا بخير ماذا عنكِ؟

- بخير تماماً، منذُ انتهاء الثانوية وأنا أعيشُ بحُرية.
تحدثت بنبرة حماسية ومرحة، لكنني تسائلتُ بإهتمام: ماذا عن الجامعة؟

نفت برأسها بملل: أجلتُ أمرها في الوقت الحالي.

- لا بأس، أستمتعي بوقتك الآن.

- ماذا عنكِ أنتِ؟
سألتني بفضولٍ وترقب، هذه عادتها أيضًا~ أنها فتاةٌ فضولية لا تُحب أن يفوتها أمرٌ جديد، فأجبت: أدرسُ الهندسة في جامعة ستايل الآن.

رفعت حاجبيها بأعجاب وافلتت (واو) من بين شفتيها ثم ضربت كتفي بخفة، بغاية المُزاح: اوه يا فتاة.. كم هذا رائع الهندسة في جامعة ستايل!

- نعم، كما تعلمين درستُ بجد بُغية الحصول على قبول في هذهِ الجامعة.
هزت رأسها بسُرعة مؤكدة كلامي: نعم، نعم تستحقين ذلك.

لتوها التفتت نحو آرسلاند ورمشت بتفاجؤ ثم حدقت نحوي لتتفوه بسؤالٍ عنه بالتأكيد لكن صوتًا صدح من الخلف يُنادي بأسمها، فتأفأفت بمللٍ وقامت: سأعود لكِ قريبًا، فقط لأرى ماذا يريدون هؤلاء.

أومات لها ببسمة صغيرة ريثما ذهبت، فالتفتوا مجموعتي نحوي.. حينها شرحتُ لهم: كُنا معًا في الثانوية.

ضحك آرسلاند مع نفسه ثم قال سائلاً أياي: كيف فاتها أمرُ مواعدتكِ لي.. أقصد أنها لم تسألكِ؟

ضحكت أيضا لأنني ايضاً تفاجأتُ من تأخرها في السؤال عن أمرٍ كهذا لكن قلتُ له: لا تقلق، ستُحقق في الأمر قريبًا.

لم يُجب آرسلاند إذ انتبهنا كُلنا لصوتِ جاكوب وهو يرفعُ كأسه ليتحدث بصوتٍ جهوري: يجلسُ الآن معنا النجم آرسلاند هنري، لكن أعتقد أنه يريد مُعاملةً متواضعة.. لذا استمتعوا جميعًا وارفعوا صوت الموسيقى وارقصوا.. تحدثوا وتناولوا الطعام اللذيذ، أنها ليلة مميزة من أيام شبابكم.. ارجو ان تستمعوا جميعا.

رفع آرسلاند كأسه لجاكوب ببسمة ساحرة وكأنه يردُ علي بطريقة الأصدقاء الهادئة، وبالفعل بعدها صدح صوت الموسيقى وتقدمت أحدى الفتيات تحملُ مايكرفونًا وأخذت تُغني بصوتٍ رائعٍ أذهلني! غنت أُغنية مشهورة جعلت كُل الجالسين يقفون ليرقصوا مع الفتيات.. بالطبع جود لم يفوت الفرصة ليسحب يولا التي لم تُمانع بالطبع، أما جوليان فرأى انها ورقة ذهبية لمُصالحة ليزا، كريس بقى جالسًا يقضمُ شفتيه بحماس.. أنا بالطبع لن أعرض على آرسلاند إذا لم يعرض عليَّ هو؟ لذا بقيتُ صامتةً أُطالع الأجواء الصاخبة.. حتى تقدمت نحونا نفسُ الفتاة التي اعطتنا العصير مع أندو، لكن هذهِ المرة كانت تنظرُ نحو آرسلاند بنظرةٍ بها شيءٌ من الغنج؟ أم أنها كانت هكذا منذ البداية وأنا لم ألاحظها لأنشغالي بأندو؟ راقبتُها بهدوءٍ تقتربُ حتى تصيرُ قريبة وتقول بثقة ودلع: الا يرغبُ ضيفنا برقصة؟

رمشتُ بعدم استيعاب هل تقوم بمغازلته حقًا الآن؟ سُرعان ما انعقدا حاجبيّ بإنزعاجٍ واضح ورمقتها بنظرة قوية لكنها لم تُلاحظها، فقلبت النظرة نحو آرسلاند الذي كان يبتسم بعبثٍ ثم نظر نحوي وقال: بلى! يرغب.

اتسعت عيناي بصدمة! كيف يوافق على طلبها هكذا؟ وأنا معه.. شعرت بحرارة في صدري تصعدُ نحو حلقي وقلبي نبضَ بغضبٍ شديد! بينما هو لا يزالُ يبتسم والتفت نحو الفتاة وقام ليبرز طوله، فقالت له بابتسامتها المُزيفة تلك: يسعدني مُشاركته إذن~

اشحتُ بسُرعة بغضب وكانت يدي قد بدأت ترتجف عندما قام ليقف أمامها، شعرتُ بأنه يتصرف بعدم أحترامٍ معي لكن صوته سُرعان ما خرج بنفس الهدوء والعبث: أرغب برقصة مع حبيبتي، لكنها خجولة لذا هلا أقنعتيها؟

تجمدتُ للحظة في مكان وتجمدت نظراتي حتى أنني لم التفت لأرى تعابير الفتاة التي حل صمتها فجأة ومن ثم خرج صوتُها متوترًا وهي تقول بأحراجٍ: عذرًا على الإزعاج.. لدي عملٌ أقوم به الآن.

لمحتُ أقدامها المُسرعة فقط عندما انصرفت، وساقا آرسلاند عندما صار أمامي مادًا يده المُزينة بخواتمٍ فضية تلمعُ تحت ضوءِ القمَر، ابتعلتُ ريقي بأحراجٍ ايضاً.. كنتُ أعتقد أنه سيرقصُ معها حقًا.. لما عبثهُ يبدو جادًا هكذا؟ هذا الرجُل لا يُحزرُ حقًا!

حين لم أُبارد برفع يدي لأنها كانت ترتعشُ بخفة لشدةِ الغضب الذي اجتاحني قبل قليل، لمحتهُ ينحني بجسدهِ ويحتضنُها بيده بدفء! رفعت مُقلتيّ نحو فداهمني العسلُ المُترقرقُ في عينيهِ وامتزج مع كستناءِ عيني.. طالعني بنظراتٍ جميلة! وكأنه لا يرى سواي بتلك اللحظة.. بينما شعرهُ الاسود ذو الخُصلِ الشقراء يتمردُ فوق جبهته، مما جعلني أشردُ للحظاتٍ حتى سحبني بخفةٍ دونما أشعُر وسحبني نحو التجمُع، حينها انزلقت أحدى يديه لتُمسك خصري والأخرى ثبت بها يدي، وقرب جسدي من جسدهِ حتى تحول نبضي الغاضب إلى نبضٍ مُحبٍ.. بحركاتهِ ولمساتهِ ودفء أمساكه ليدي المُرتعشة، ونظرتهُ المُبتسمة بحُبٍ تلك جعل غضبي يذوب وابتسامتي تتسع بخجلٍ، حينها دنى برأسه وهمس لي جاعلاً انفاسه الساخنة تلفحُ أُذني مع جانب عنقي: لا تغضبي ولا تعتقدي أنني قد أختارُ غيركِ يوماً، فأنتِ الثابتة بقلبي إلى الأبد.

من ذلك القُرب يمكنهُ الشعور بنبصاتي المُتسارعة والسخونة التي اجتاحت جسدي مع جسده، حتى ان يدي تعرقت بين يديه ويدي الأُخرى تشبثت بكتفهُ، بينما اخفضُ رأسي هربًا من نظراتهُ المُتشبثة بوجهي، ومن بسمتهِ التي تجعلُ الفراشات تتدافعُ في معدتي بقوة.. ارخيتُ جسدي بين يديه حتى يُحركني بمرونة على أنغامِ الموسيقى.. فرغم الناس من حولِنا ورغم ورغم الضجيج، لم نشعر بشيءٍ سوى جسدينا القريبين من بعضهِما والموسيقى مع كلمات الأُغنية المُترنمة في الأجواء.

بدا آرسلاند مُتحمسًا في حركاتهِ معي، فقررتُ أن اتخلص من حذري.. لأجلهِ، لأنه يخرجُ عن عاداتهِ وتحفظهُ من أجلي .. فأخذتُ اتحرك على النغماتِ بحرية أكبر حتى اتسعتْ ضحكته ولمعت عيناهُ بأعجابٍ بينما يطلقُ صفيراً خافت من بين شفتيهِ..
اخذ بيدي وجعلني ادور حول نفسي ثم امسك بخصري وحركني بشكلٍ دائري ايضاً، حينها تمايلتُ للوراء حتى لامس ظهري صدره، فامسك بكلتا يدي وعانقني من الخلف.. لنتحرك سويًا.. كانتا ذراعيه تحتضنانِ ذراعي وذقنهُ مُثبتاً على كتفي، حتى أن جانب وجههُ المُلتحي احتك ببشرتي بمُداعبةٍ صغيرة منه، ثم فجأة على حين غفلة شعرتُ بشفتيه تطبع قُبلة على خدي! كانت سريعة ولطيفة بذات الوقت، جعلت الدماء تحتقنُ بوجهي بينما هو يُقهقه بسعادةٍ على مظهري الخجل، لا أعلمُ متى سأعتاد؟ ~

__________

جــوان:

عندما لاحظتُ كيف حاولت أحدى الفتيات التَقرُب لآرسلاند شعرتُ بالتهديد أيضا.. رُبما تقتربُ فتاة للحديث مع كريس وهذا زيرُ نساءٍ سيمضي معهُن بالتأكيد ويقول أنه لا يرفضُ الفتيات اللطيفات وما إلى ذلك من الحجج السخيفة التافهة~

هل أعرضُ عليه مُشاركتي في الرقص؟ انا أُحب الرقص كثيراً! بل أعشقهُ.. كُنا نرقص معاً كثيراً في الماضي.. عندما كُنا أصغر سناً، عندما لم أكن أدركُ مشاعري له.. لكن الآن يتنابُني التوتر والتردد في فعل أي شيءٍ معه.

بقيتُ مُلتزمةً الصمت حينها، ففاجأني هو حين قفز بحماس وسحب يدي دون سابق إنذار.. تعثرتُ قليلا لولا أنني أمسكتُ كتفه لكنت سقطتُ على وجهي، وطبعاً هذا كان سيحدثُ بسبب حماقة كريس، حتى أنه لم يُبالي وقال بحماسٍ: تعلمتُ مسبقاً كيف أهزُ جسدي على الطريقة الشرقية!

تحمستُ لذلك وضحكت: لكن هذهِ الأغنية ليست شرقية!

جعد تعابيره بلامُبالاة وحرك يده بالهواء: لا يهم، فقط دعينا نرقصُ بحرية~

وبالفعل دخل بين الجموع وأخذ يقفز ويهز مؤخرته ثم يمسك يدي ويجعلني ادور حول نفسي، بينما أنا كنتُ أكثر هدوءًا منه في حركاتي~ بالطبع عليّ ذلك، رغم حماسي، لا يجب أن أجنُ كما يفعل هذا المجنون الآن.. لكن منظهرهُ بدا ظريفًا جداً ومُضحكًا، لم أستطع التوقف عن الضحك والإندماج في صخبِ الجو، وأخذنا نرقصُ كما كُنا نفعل في مُراهقتِنا.. اندمجتُ كثيراً، ضحكتُ من أعماق قلبي وخلعت مع ضحكاتي القلق والتوتر.. كريس لم يتغير كثيراً، لا يزالُ بقلب طفلٍ صغير وبريء.. لا يزال يعاملني بكُل عفوية، أنا فقط من رسمتُ الحدود، بينما هو يُثبت لي بكل مرة كم هو عفويٌ ويتصرفُ بصدق؛ لهذا اطلقت لنفسي العنان، كي تمرح معه.. إلى ما لا نهاية.

________

انتهت فقرة الرقص والمرح والغناء.. حتى سقط الجميع مُتعبين، وكذلك انا وكريس الذي بقى آخر الراقصين واجبرني على الرقص معه حتى أن قدميّ تصرُخان ألمًا الآن، لكننا استمتعنا كثيرا والآن يُمكننا التمدُد قليلاً، قام فريق التخيم باحضار الطعام مرة أخرى.. عبارة عن وجباتٍ سريعة من البرغر والبيتزا مع مشروباتٍ غازية ووزعوها على الجميع، وجاءت أندو صديقة كارمن لتجلس معنا.. انها كثيرة الكلام عكس كارمن تماماً، كنتُ اجلس وعلى يميني كريس وعلى يساري كارمن التي بجانبها يجلسُ آرسلاند بينما أندو مُقابلةً لنا، أخذنا قُطع البيتزا لنتناولها.. كانت شهية جداً! بالطبع آرسلاند اللطيف قام بإطعام كارمن أمامنا، وهنا جاء دور كريس ليتحدث وهو يحشر الطعام في فمهِ: مشهد لن يكررهُ التأريخ، آرسلاند اللطيف.

رمقهُ آرسلاند بطرف عينه وقال: أنا لطيفٌ مع من يستحقون اللُطف، ثم كم مرة أخبرتك ألا تتحدث والطعام في فمك؟

كنت أمضغ البيتزا بأستمتاع لكنني رفعتُ أصبع الأبهام لآرسلاند لأوافقه الكلام، بينما كريس رفع عيناه للسماء كأنهُ يُفكر: اعتقد أنك أخبرتني ذلك ما يُقارب المليون مرة~

سخر آرسلاند وقلب عينيه: وأراك سمعت كلامي~

تدخلت أندو فجأة أو رُبما كانت تُريد قول هذا منذ أن جلست لكن آرسلاند وكريس لم يعطيها فرصة للتحدث وطرح سؤالها الفضولي لكارمن: هل آرسلاند حبيبكِ؟

أومأت كارمن لها بـ"نعم" لكنها رمشت بإستغرابٍ وطرحت سؤالا غبيًا جعلني اتصنم في مكاني: وماذا عن يوجين؟

لا أعلم من هو يوجين.. رُبما شخصٌ تعرفه كارمن سابقًا، لكن هل هذهِ الفتاة غبية لهذا الحد لتأتي على ذكر رجُلٍ أمام حبيب صديقتها؟ صمتنا جميعنا حتى ان كريس توقفت البيتزا في بلعومهِ واخذت أضربُ على ظهره وأمدُ له الكولا، لكن كارمن اجابت بنبرة هادئة: لقد سافر إلى روسيا لدراسة الطب.

- أوه تذكرت! كُنتِ حزينة عندما سافر فجأة، في الواقع كُنتما ثنائيًا جميلاً.. للأسف أنه ذهب هكذا وترككِ.
تحدثت بأسى واعتيادية كأنما تتحدث عن كتابٍ ضائع! بينما كارمن أخذت تعابير الهدوء تحتلُها تماماً عندما ذكرت أندو هذا الكلام، ولم تتوقف عند هذا الحد بل تابعت بحماسٍ: لا عليكِ، آرسلاند أيضًا رائع ويناسبكِ أكثر.. كما أنهُ مشهورٌ ويُحبكِ؛ لذا تناسي أمر يوجين.

ازعجتني طريقتها بالكلام هكذا! هل هي غبية؟ تبدو كذلك بالفعل، لا اعتقد أنها تعي معنى كلامها؟!
آرسلاند هدأ فجأة وصمت، وكارمن شعرتُ بها تضايقت كثيراً لكنها حاولت اخفاء ذلك.. حينها حاول كريس جعل أندو تصمُت فأخذ قطعة بيتزا كبيرة ووضعها في فمها، وبدا كأنه يهتمُ بها ويبتسم ابتسامة مزيفة: هيا أندو تناوليها، عليكِ أن تشبعي جيدًا فالتخيمُ يحتاجُ طاقةً هائِلة منكِ، وأرى أنكِ لا تأكلين جيدًا فقط تستمرين بالتحدث.. وهذا سيضيع عليكِ الطعام اللذيذ مثل هذه البيتزا~

حرفيًا هو قام بدفع البيتزا بفهما أكثر مع كُلِ كلمة، حتى ان الفتاة اوشكت على الأختناق وهي تمضغ هذهِ الكمية الكبيرة من البيتزا.. سحبته من قميصه ليعود بجانبي وهمست له وأنا أصك على أسناني: يكفي، ستقتل الفتاة.

أبتسم بأتساع لها: بالهناء، بالهناء..

ثم يلتفت نحوي دونما تتلاشى ابتسامته المُزيفة: على الأقل لا ندعها تتكلم أكثر.

نظرتُ نحو أندو.. فرأيتها اوشكت على بلع ما مضغته، وكزتُ كريس بسُرعة ففهم الإشارة وأخذ قُطعة بيتزا أخرى ووضعها بفمها، حاولت هي الرفض لكنه لم يعطيها مجالاً لقول شيء.

رغم كُلِ هذهِ الفوضى إلا أن جود وجوليان وجان لا يعلمون شيئًا ويغازلون فتياتهم بأعذبِ أنواعِ الغزلِ الجميل، وهن غامراتٌ تماماً في وضعهن.. بالذات أخي، ياله من رجُلٍ عابث أما يولاند فهي على مقاسهِ تماماً، يشكلان ثنائيًا عابثًا بجدارة~

تجاهلتهم وركزت بآرس الذي صار صمتهُ مُقلقًا بالنسبة لي، رُبما كارمن لم تتحدث له عن يوجين هذا؟ هي حتى الآن لم تنطق بكلمة ولم ترفع انظارها للأعلى، بدت شاردة الذهن، وقلقة.. إذ لاحظتُها تقضم شفتيها بين الحين والآخر، مددتُ يدي لأربت على يدها.. فرفعت انظارها نحوي، رأيت كم بدت مُنزعجة وقلقة عندما حدقت بي بتعبيرٍ حزين، فهززت رأسي لها بمعنى إن كُل شيء سيكون بخير، فعضت على شفتها وأومأت بصمت.. فجأة قام آرسلاند وبرز طوله لينظر نحونا جميعاً قائلاً: لقد تأخر الوقت، دعونا نعود للمنزل.

- دعنا قليلاً بعد! لم نتأخر كثيراً آرس.
عرض عليه جود، لكنه لم يغير موقفه أو تعبيره وكرر أمرهُ: أنا مُتعب، أريد العودة.

حدق كريس نحو جود وأعطاه أشارة بعينيه كي لا يعترض أكثر، تفهم الآخر ما يعنيه كريس وقام مُشيرًا لجوليان وجان والفتيات، قمنا كذلك أنا وكارمن وكريس.. هممنا بالمغادرة لكن كان علينا توديع جاكوب وشكره قبل الذهاب، وبالطبع مُفتعلة المصائب أندو قفزت وقالت: أبقوا قليلاً بعد، لم نتعرف عليكم بالكامل!

ضحك كريس بزيفٍ لها: كان من الرائع التعرف عليكِ أندو، نشكركِ جداً على حُسن الضيافة، لكننا مُتعبون ونحتاج للراحة.. لذا سنعود للمنزل الآن وأتمنى ألا.. أقصد أن نلتقي مجددًا.

ابتسمت هي ابتسامة حمقاء: يا لك من رجُلٍ لطيف~

ضربتُ خاصرته بكوعِ ذراعي  ليكُف عن الأبتذال، فأمسك مكان الضربة كاتماً تأوههُ وتمتم بشتيمةٍ لم أسمعها جيدًا.. لكنها خصيصًا لي.

أقبل جاكوب نحونا عندما رأنا نهِمُ بالرحيل وطلب منا البقاء أكثر لكن آرس أصر على المُغادرة في هذهِ اللحظة، فشكرنا الشاب بأمتنان؛ لأنه حقًا منحنا وقتًا مُمتعةً وأستضافةً لطيفة لن ننساها أبداً..

___________

دلفنا للحافلة جميعاً، يولا وجود والآخرين لا يعرفون ما حدث.. فقط أنا وكريس، لاحظتُ كارمن لا تزالُ مُحتفظةً بهدوئِها ومثلها آرسلاند.. اعتقد ان الوقت غير مُناسبٍ للحديث، لذا صمتُ وأوصيتُ كريس بالصمت حتى لا يقول كلماتٍ او جُملٍ غبية في وقتٍ غيرِ مُناسب~

وصلنا حيثُ منزل جورجينا.. الساعة تُشير للأثنا عشر ليلاً.. والظلامُ قد خيم تماماً واوحش الطقسُ ببرودةٍ غريبة بعدما تجمعت غيومٌ داكنة في السماء، أحيانا تمطرُ في هذهِ البلدة حتى لو كان الفصلُ صيفًا.. لكن طقسُها مُتقلب.

ترجلنا ونحنُ نتحدث، لا صوت يُسمع غير صوتِنا مع أصوات الحيواناتِ البعيدة.. كُنا نتزاحمُ للدخول، لكنني سمعتُ صوت كارمن وهي تطلُب من آرسلاند بهدوء أن يبقيان للحظاتٍ في الخارج ويتحدثان، هو لم يُجب بشيءٍ لكنه صمت ووقف بينما اندفعنا كُلنا للداخل. 

لم احتمل التعرق الذي تعرضتُ له، لذا ركضت نحو الغُرفة وأخذت ملابسًا خفيفة لأدخُل للحمام وأغتسل.. لكن عندما وصلتُ الباب اصطتدمتُ مع كريس الذي كان يحمل ثيابهُ أيضًا ويريد ان يدلف للحمام.. لأنه لا يوجد سوى حمامٌ واحد في هذا المنزل، رمقتهُ بنظرةٍ ثاقبة فبادلني إياها مع حاجبٍ مُرتفع، دفعتُ كتفه بكتفي لأدخل لكنه أزاحني بسهولة وقال: يمكنكِ الدخول بعدي.

ضحكتُ ضحكة مُزيفةً له بتعابيرٍ مُتجعدة: بل يمكنك أنت الدخول من بعدي!

دفع يدي عن الباب وتمتم بغرورٍ معهودٌ له به: أنا رئيسكِ تذكري ذلك!

حدقت بعينيهِ بنظراتٍ ضيقة دونما أبتسم، ثم اقتربت لأعدم المسافة بيننا.. كانت فتحتا انفحه تتسعان وعيناهُ تنظرُان لي بتحدي وثقة، حافظتُ على هدوئي وتنهدتُ بإنزعاجٍ قبل ما أرفعُ أصبعي لأنقُر جبينه بينما يدي الأُخرى تحتضنُ ملابسي: لكن السيدات أولاً ~ أيها السيد المُحترم.

قلب عينيه بضجر.. يفعل هذا عندما يكون الكلام لا يعجبه، بعدها أبتسم بجانبية وتخصر مُستندًا على الحائط: لكنكِ آنسة ولستِ سيدة.

- إذن الآنسات أولاً، ليس هُناك فرقًا!
تحدثتُ بأعتراضٍ وعصبيةٍ صغيرة، لأنه استفزني بقهقةٍ ساخرة أفلتها بعد عبارتهِ تلك.

لم نكادُ نُكمل شجارنا عند باب الحمام حتى سمعنا أصواتُ ضجيجٍ تصدرُ من غُرفة المعيشة، حدقنا ببعضنا بأستغرابٍ فأشار لي كريس برأسه نحو مصدر الصوت: دعينا نتحقق أولاً.

أومأتُ بجدية وركضتُ معه، فوجدتُ يولا تتحدث بتعابيرٍ غاضبة وحاجبان معقودان بشدة بينما آرسلاند هادئٌ تماماً لا يحمل وجهه أي تعبير، فسأله جود: أين كارمن الآن؟

اجاب آرس بجمود: قالت أنها تُريد البقاء لوحدِها في الخارج.

ارتفعا حاجبا يولا بصدمة واخذت تقتربُ منه، مُتحدثةً بصوتٍ جادٍ وشديد: كيف تتركها وحدها في هذا الوقت؟ قد تُمطر بأي لحظة! وهي تُعاني من فوبيا أصوات الرعد!

يا إللهي.. هذهِ الـأندو قلبت الأجواء، وهذهِ كارمن الغبية كيف تقرر البقاء وحدها في طقسٍ كهذا! هز كريس رأسه بقلة حيلة ونظر لآرس بعتاب: عندما تقول لك الفتاة دعني وشأني تعني أنها تُريدك معها في هذهِ اللحظة!

طالعنا آرسلاند بعيونٍ عسلية بريئة، نظرتهُ حملت شيئا من الندم.. رُبما تشاجرا قبل قليل؟ أتوقعُ ذلك!

تعابيرهُ بها شيءٌ من التأنيب، أنه حقا يُحب كارمن لهذا يبدو نادماً الآن.. كُلهم أنبوه بنظراتهم، من الجيد أن جوليان دخل لغُرفته ولا يعرف ماذا حدث وإلا أشعل حلبة ملاكمة في هذهِ الساعة المُتأخرة.

تخطيتُ كريس مُتقدمةً نحو آرس الذي انتبه لي، مسحت على ذراعه بمواساة وقلتُ له بصوتٍ مُنخفض: هيا عُد إليها، وتفاهما.. أسمع منها على الأقل، لا تدع عصبيتك تُعكر جمال يومكما هذا.

نظر لي بصمتٍ ولم ينبس بشيءٍ أبداً، لكن عندما عمقتُ نظراتي في عينيهِ لمستُ قبولاً منه لكلامي، فأومأ بالنهاية وانصرف للخارج.. عائدًا أدراجهُ.

يولا تحدثت بكلامٍ غير مفهوم وطبعاً أخي بقى يهدأها ويُرضيها، لا يهم أنهما مبتذلان جداً.. تنهدت بتعب وادركت أنني أُريد الإستحمام أيضًا، لكن عندما نظرت حيث كان يقف كريس لم أجده! ركضتُ نحو الحمام، وكان البابُ مُغلقًا ومن خلفهِ صدر صوتُ كريس وهو يُغني بمرحٍ، مُلحنًا صوتهُ: أنا المُدير المغوار، أُجيد كل الأدوار.. وأستحمُ بسعادةٍ مع الصابون والبُخار.

أنه معتوه.. معتوهٌ تماماً، كيف أحببتهُ؟؟

__________

كـارمـن:

الأحاديث الكثيرة المُتلاطمة في رأسي، لم أعرف كيف أُحادث آرسلاند الآن.. انتظرتُ حتى فرغ الجميع نحو الداخل، فسرتُ بجانبهِ بصمتِ، وقبل ما يدخُل أمسكتُ بطرفِ قميصهِ وأوقفته؛ لأنبس بصوتٍ يستطيع هو فقط سماعه: دعنا نتحدث قليلاً.

لم أرى كيف بدا تعبيره، لأنني لم أنظر في وجههِ خشية الرفض.. لم أحتمل فكرة أن يزجرني بنظرةٍ قوية ويعتقد أنني أخفي الأمور عنه، لكن لحُسن الحظ توقف عن المضي نحو الداخل، فأشرتُ له لنمشي نحو المزرعة، لا شيء يدور في عقلي الآن سوى محاولة ترتيب الكلمات.. مضينا حتى ابتعدنا عن المنزل فتوقف هو، كانت حركته تلك طلبًا لي كي أبدأ حديثي.. حقيقةً تذكر الماضي يُزعجني! رغم أنه لم يكن سيئًا لكن لا فائدةً تُرجى من الحديث عن شيءٍ مضى، ولا أعرف كيف يُفكر هو الآن.. لأنني عندما رفعتُ كستنائيتيَّ نحو وجهه، بدا جامداً.. لا يحملُ أي ردةِ فعلٍ! هل كل هذا فقط لأنني لم أخبره؟

قررتُ أخيرًا التحرُر من التساؤولاتِ الكثيرة التي لن أحصد لها أجابة تُرجى ألا بعدما أُدلي بما لدي. اطرقتُ بنظراتي أرضًا، أحاول جمع كلماتي وترتيبها وسحب انفاسي التي ضاقت.. قدماهُ تطرقان الأرض بخفةٍ، ويداي تتشابكان مع بعضهما بتوتر.. نفثتُ أنفاسي ورفعت انظاري نحوه مباشرة، حدقت بعسليتيهِ الجامدتين: كما تعلم أن يوجين هو أخ ليزا وجارُنا بذاتِ الوقت، كُنا مُقربان جداً لكن كأصدقاء، ربما لم نعرف كيف نُفرق بين الحُب والصداقة في ذلك الوقت.. لكن ومع مرور الزمن رغم قوة علاقتنا قرر يوجين السفر دون أخباري.. استيقظتُ يومها كعادتي، حتى صُدمت بخبر سفره! ربما هو أخفى الأمر عني كي لا اتأثر، لكنني وللأسفِ الشديد تأثرت كثيراً لأنه أقرب شخصٍ لي.. ومع رحيله المفاجئ لم أستطع محادثته بشكلٍ طبيعي عبر الهاتف لذا قطعتُ التواصل معه وهو بدأ حياةً جديدة في الخارج.
كنتُ أعتقد أننا نُحب بعضنا، إلا أنني أدركت مؤخرًا أننا أحببنا بعضنا كأصدقاءٍ مُقربين، ويوجين كان مُدركًا لهذا قبلي.. أنا من تأخرت في الإدراك.
لاحظ الجميع تغيري بعد رحيله، لكن ها أنا ذا أستعيدُ نفسي وأمضِ في حياتي رُغم كل شيء! وأعرفُ جيدًا أنني أحبك أنت آرسلاند!

هذهِ هي المرة الأولى التي أتحدث بها عن مشاعري بعد رحيل يوجين، وهذهِ المرة الأولى التي شعرت بها بصدق كلماتي حقًا.. ربما لأنني لم أشاء أن أكذب عليه، وهو أنصت لي بجدية، تعابيره تغيرت بتأثيرٍ طفيف.. حاول أخفاءه بجدارة ونجح بذلك، بقيتُ واقفة أزدردُ ريقي بعدما سكبت له كل ما حدث لكنه فقط.. أومأ وكأنه تفهم ما أقول، ولم يتحدث.. لم يقل شيئا، فأقتربت أنا وأخذت بيده بين يدي، نظر لي ونظرت له بعيونٍ قلقة ولا أخفي أن نظرتي بدت مُترقبة.. مع هذا قُلت: أنتَ تُصدقني أليس كذلك؟

هز رأسه بـ"نعم" عدة مرات وتهرب بنظراتهِ عني! اشاح بعيدًا وتمتم بسُرعةٍ: أُصدقكِ كارمن، أُصدقكِ.

لمست وجهه لأديره نحوي، حتى ينظر لي: لماذا تهرب بنظراتك إذن؟

ابعد يدي عنه بهدوء واشاح سريعًا، ثم اوشك على قول شيء لكنهُ تراجع! حاولت الظهور أمامه لكنه استمر بالتهرب بنظراته، حتى لم أفهم لما يفعل هذا إذا كان فعلاً يُصدقني! أعجز عن فهمه الآن.. ابتعد عني وقال: دعينا ندخل، يبدو أنها ستمطر.

شعرتُ بصدري يضيقُ أكثر وأكثر وأنفاسي تصيرُ أكثر سخونة.. هل أنا غاضبة؟ منزعجة أو حزينة! لستُ أدري.. التفتُ مُعطيةً إياه ظهري وقلت بنبرة متماسكة: ادخل أنت اولا، سأبقى قليلاً أحتاج أن أشُم بعض الهواء.

- حسنا..
نبس ورحل.. بقى بأذني صوتُ خطواتهِ، حقا احترق صدري بإنزعاجٍ! رغم جمالِ يومنا هذا واللخظات اللطيفة التي قضيناها مع بعضنا.. لكن النهاية سيئة.

بقيتُ وحدي.. الرياحُ صارت أشدُ برودةً ولا صوت سوى صوت الطبيعة والحيوانات البعيدة. ورغم برودة الطقس لكن الحرارة التي في صدري لم تُشفى!

نظرتُ للمعطف الخفيف الذي ربطته حول خصري، جورجينا كانت مُحقة في قولها أن الطقس سيبرُد.

مضت بضع دقائقٍ وأنا بمُفردي بعدما غادر آرسلاند، لكن فجأة سمعتُ صوت خطواتٍ سريعة خلفي! ارتعبت وارتجف قلبي بين ضلعي، لم التفت بسبب تصنمي من الخوف.

- كارمن!
صوته! إنه صوت آرسلاند!
التفت له فكان يقف يأخذ انفاسه بسرعة، اجتاحني القلق وركضت نحوه: ماذا حدث؟

اعدل ظهره ونظر بي بعمق! عسليتاه تفيضان بشيء غريب.. رمشتُ بأستغراب نحوه، فاقترب بسرعة وعانقني.. عانقني بقوة! تصنمتُ بين ذراعيه بينما هو ضمني أكثر حتى اختفيت هُناك..

فهمس لي بحرارة وصوتٍ مليءٍ بالندم: أنا آسف..

مسحت يداي على ظهرهِ ولا أعلم لما تجمعت الدموع في عيني وتشبثت به أكثر وتمتمت بصعوبة: وأنا أيضا أسفة..

لا أعرف لما اعتذر، لكنني اعتذرت لأنني أخفيتُ الأمر عنه.. ولأن هذا الأمر عكر صفوَ يومنا.

ابتعد عني ببطءٍ ونظر بوجهي بعيونٍ مقوسة للأسفل بندم وشفاهٍ ممدودة، رمشت ولمست وجهه بيدي ادقق بتعابيره بقلقٍ وتساؤول: هل أنت بخير؟

رفع اصابعه؛ ليلمس يدي التي على وجههِ وقربها من شفته ليُقبلها قُبلة دافئة.. ويده الأُخرى مسد بها يدي الأخرى، عسليتاه تترقرقان بغرابة تحت ضوء القمر الذي أخذ يخفُت خلف الغيوم: أنا أسف لأنني صرخت عليكِ في ذلك اليوم عندما كان الطقسُ مُمطرًا لم أعلم أنكِ تُعانين من فوبيا اصوات الرعد!

من أين علم ذلك؟ هل اصطدم بيولا عندما دخل؟!
هل هي من أخبرته؟ بالتأكيد هي، وإلا من يعلم غيرها مثلا.. اتذكر جيدًا عندما تشاجرتُ معه لأنني لم اخلع السُماعات عن أُذني بينما هو يتحدث.. اعتقد أنني اتجاهله؛ لكنني كُنت خائفة وعانيتُ كثيراً يومها، هو يتذكر ما فعله حتى الآن؟

توقفت أرمش بصدمة بينما هو تحدث بأسفٍ شديد وراحت عيناهُ تتوسل الغُفران، رغم أنني لم أُعاتبه حتى.. فأومأت بهدوءٍ بعد صمتي وبللت شفتي كي اتمسك جيدًا برابطة جأشي، لكنني ربتُ على يده بلُطفٍ وابتسمت ابتسامة صغيرة: كان عليّ أخبارك في ذلك الوقت، رغم هذا فأن الأمرُ قد مضى.. لذا دعنا لا نُفكر به.

- لكن كيف بدأت تلك الفوبيا؟
تسائل بإهتمامٍ ويداه تمسحان على شعري بإهتمامٍ ولُطف، عدتُ بذكرياتي لذلك اليوم.. فشعرت مع هبوب الريح وتلك الذكرى المؤلمة عندما دفعني الطلبة في غُرفة التنظيف بعد انتهاء الدوام وكان المطرُ شديدًا والظُلمة مُخيفة.. أصوات الرعد تضربُ بقوة، وأنا وحدي ارتجف في زاوية الغُرفة.. كل تلك الذكريات تكاثفت وتكاثرت حولي بطريقة مؤذية لعقلي.

لاحظ هو كيف بدا الألم ظاهرًا في تعابيري، وكيف تسارعت انفاسي لتلك الذكرى فعانقني مُجددًا ومسد على شعري ثم قبلَ رأسي قُبلة خفيفة: لا بأس، سنتحدث عن ذلك لاحقًا.

نفيتُ برأسي: كلا، سأخبرك بكل شيءٍ اليوم.

استمرت يده تمسحُ على ظهري بكل حنانٍ وذراعه تشدني نحوه أكثر: لستِ مُضطرةً لهذا كارمن، ولستُ غاضبًا منكِ.. بل أنا غاضبٌ من نفسي.

لما هو غاضبٌ من نفسهِ؟ لما هو نادمٌ اصلا؟
حتى تهربهُ لم أجد له مبررًا.. ربما المُبرر هو غضبه من نفسه؟

مع هذا كُنت مُصرةً على أخباره الكثير من الأمور عني في هذه الليلة، فابتعدت عنه وصوبت انظاري لأنظاره، قائلة بنبرة جادة: كلا، أنا مُصرة على ذلك..

اطرق بانظاره ثم تنهد مُحدقا بي بشيءٍ من الخجل: لكن دعيني أخبركِ.. بأنني أيضا أُخفي الكثير عنكِ، وليس من حقي الإنزعاج لو أخفيتِ أمرًا بسيطًا من ماضيك.. لأن ما يهمني الآن هو أنتِ، في حاضركِ.

ثُمَّ أمضينا الوقت نتحدث.. ونتحدث، عن ماضيّ وعن خلافاتِنا القديمة وعن آرسلاند الآن.. وليس في الماضي؛ لأنه لم يكن مستعدًا لأدلاء ماضيه.
ولم أفهم ما سبب ذلك الألم المُبهم الكامن خلف وجهه، لكن كان واضحًا لي أكثر من السابق خاصة بعدما قال لي بصوتٍ كُتِمت بهِ حسرةٌ مُبهمة ”أنا غاضبٌ من نفسي“، الأيامُ كفيلة بجعله يطمئن ليتكلم بأريحية، وهذا ما سأسعى له منذُ اليوم.

_________
اكثر مشهد حبيتو؟

تحليلاتكم؟

شنو المشاهد الي تحبون اكتبلكم منها؟

متحمسين للقادم؟

حُب كبير لكم ❤✨.

"عندما يُظلم المكان، لا يمكننا رؤية أشيائنا، هذا لا يعني عدم وجودها، تلك الأشياء موجودة أمامنا، كل ما نحتاج إليه هو ضوء شمعة، أو أمل.. لنكتشف أن ما اعتبرناه ضائعاً كان مخفياً فقط"

Comment