تساؤولات، وغضب

السلام عليكم، كيف الحال جميعا؟ عساكم بخير ✨
اعرف متأخرة بس هذا عوضكم احلى بارت، وبإذن الله يعجبكم وتستمتعون بي.. طبعاً ما لحكت انقحه لذا ممكن تشوفون هفوات بسيطة، اعتذر عنها.

لا تنسوا التصويت، قراءة ممتعة 💙🌱✨

كـــارمـن:

هبطنا من الحافلة أخيرًا بعد سفرٍ بها من الريف إلى المدينة في رحلةٍ قضيناها بمنزل جورجينا وفيكتور في المزرعة، لقد بقينا هُناك لأسبوع ونصف، قضينا بها أجمل الأوقات.. شعرتُ بأنني تقربتُ إلى آرسلاند أكثر، قضينا الكثير من الوقت معاً في التنزه بالغابة، او في السهول الخضراء.. احيانا نركبُ الحصان أو يُعلمني امتطاءهُ، قضيتُ وقتًا طيبًا مع الفتيات والشباب، كُنا نسهر في الليل خارجًا ونستمتع بتناول الطعام الذي يعدهُ جود بألذِ طريقة مُمكنة، وبالطبع لا يخلو الطقس من دُعابات كريس المُضحكة~

المُهم ترجلنا وكُلنا متعبون للغاية، نكاد نسحبُ اجسادنا بثقلٍ مع أمتعتنا لكن آرسلاند تقدم بجانبي واخذ حقيبتي مني ومضى أمامي دون كلام، أبتسمت مع نفسي للطفه فتقربت مني يولا وضربت كتفها بكتفي قائلة بنبرةٍ عابثة: أنظروا للُطفِ العُشاق هُنا~

مشت جوان بجانبا وقالت ليولا وهي تضحك: دعيهما يتلطفان الآن، فبعدما نخطو داخل المنزل سيُقام عليهما حظرًا للُحب.

نظرتُ لهن بضجرٍ وقُلت بلامُبالاة: نعرف كيف نتدبر أمورنا جيدًا، أقلقن بشأن أموركن~

كُنت أُشير ليولا، لأنها لن تلتقي جود بعد أن تعود للمنزل.. أي منزل عائلتنا، لكنه أبتسمت بثقة وقالت بينما تُعيد خُصلةً من شعرها بغرورٍ خلف أُذنِها: لدينا خُططنا لا تقلقي علينا.

رمشنا أنا وجوان نحو بعضنا وقلنا بذات الوقت: ماذا تقصدين؟

لوت شفتها بجانبية وابتسمت بطريقة مُريبة ثم قالت قبلما تتجاهلنا وتدخل من الباب: اقلقن بشأنِ أموركن~

أنها تردُ لي بكلامي، يالها من وقحة هذهِ الفتاة!
تجاهلتها لأنني لا أملك طاقةً للنقاشِ معها، وكذلك جوان فعلت المثل لأنها ليست مهتمة بأمورِ الآخرين ولا حتى فضولية، فدفعنا الباب الداخلي ودخلنا نمشي بالرواق القصير نحو غُرفة المعيشة، رأيت حقيبتي وحقيبة آرسلاند مركونتان بجانب الباب وأصوات الأحاديث ينبعث من الغرفة.. كانا صوتين واضحين الأول حماسيٌ ومفعمٌ بنشاطٍ مُبهج وبالطبع أنها العمة يوليا المرحة~

اما الصوت الآخر كان لطيًفا ودافئًا وهو صوت الخالة تالين، كانت تسألُ آرسلاند عن حالة.. فدلفتُ أنا ووجدتها تمسحُ على ظهرهِ وشعره بحنانٍ بينما ترمقهُ بإشتياقٍ واضح: لكن لما تبدو أنحف؟

- أوليس هذا جيدًا يا أمي؟
أجابها بينما يبتسم، لكن ما ان دخلت رمقني بنظرةٍ هادئةٍ وابتسامة صغيرة على شفتيه لم تحتفي، تقدمتُ أنا وقبلتُ خالتي ثم منحتها عناقًا صغيرًا حينها ربتت على شعري وسألتني عن حالي بكُل إهتمام، وكذلك حييتُ العمة يوليا وقبلتُها وهي الأُخرى نظرت لي بعسليتيها الباسمتان ثم اشارت لي بأن اجلس بجانبها وهي تسألني بلطف: كيف كانت رحلةُ الفتاة الجامعية؟ ~

لا أعلمُ لما نظرتُ نحو آرسلاند بتلقائية حينها فوجدته هو أيضًا ينظُر لي، رُبما لأننا استرجعنا ذكريات العُطلة في الريف ريثما سألت العمة هذا السؤال، لكنني تداركتُ الأمر وأشحتُ عنه مُبتسمة: بحقٍ كانت رائعة جداً!

لم نُكد نُكمل حِوارنا حتى اندفع الجميع من خلال الباب نحو غُرفة المعيشة، بالطبع يُمكنني تصنيف دخول كريس بأكثر دخول درامي حيث تقدم يركضُ وهو يُمثل وجهاً باكياً بينما يفتح ذراعيه ويتقدم نحو خالتي تالين، وفمهُ يصرُخ: أمـي.. أشتقتُ لكِ جداً..

بينما جود عكسهُ تماماً، إذ دخلَ بهدوءٍ وقال: مساء الخير.

وتقدم نحو والدتهُ عانقها بلُطفٍ وقبَلَّ رأسها قُبلة تنمُ عن أحترامٍ وتقدير، ثم سألها بإهتمامٍ قبلما تسأله هي: كيف حالكِ أمي؟

هل هُما قريبان حقاً؟ أو هل كريس حقاً أخ آرسلاند، لآن آرسلاند لا يزالُ جالِسًا يطالع كريس بنظراتٍ مُستغربة ثم يهزُ رأسه قائلاً بدهشةٍ مُصطنعة: يُدهشني كريس بطفوليته بكل مرة.

لكن بالطبع كريس لم يُبالي وراح يُقبل وجنتا أمه بسُرعة ولم تكد تستوعب حتى تركها وخنق عمته بعناقٍ قوي، لولا جوان التي أتت وأمسكت بياقة قميصه من الخلف وسحبتهُ بعيدًا عن والدتها لتُعانقها بهدوءٍ هي.

دخلت يولا أيضًا ورحبن بها بلطفٍ أيضاً، وديلا كذلك، أما بالنسبة لجان فقد نزل عندما وصلنا المدينة وقال أنه سيأخذ سيارة أجرة.. وعائلة جوليان عادوا بسيارتهم لمنزلِهم، وها نحنُ أخيرًا نعود لروتين أيامِنا المُعتاد..

لاحظتُ آرسلاند يُلغي إتصالاً تلقاه، ثُم بعدها يستأذن وينصرف، أردتُ اللحاق به لأنني لاحظتُ تعابيره الجادة نحو الهاتف، أحيانا يتصرفُ بغرابة! يجعل الأمرُ يبدو مُريبًا، يُطالع هاتفه بإهتمامٍ واحيانا يُجيب على اتصالاتهِ على أنفراد.. ربما تكون مكالمات تخص الفريق وغيرها لا يهم، لكنني أحيانا أقلق عندما أراه يحدق بجدية للشاشة وكأن شيئًا حدث!
تراجعتُ عن قراري باللحاق بهِ مباشرة وتريثتُ في مكاني؛ لأندمج بالحديث مع الآخرين لدقائقٍ معدودة، وبعدها استأذنتُ منهم وقمتُ مُتجهةً نحو الأعلى.. حيثُ غُرفتي~ افتقدها بشدة، واشتاق للراحة على سريري.. رغم كُل المُتعة التي حصلتُ عليها في الأيام الماضية لكن خلال النوم لم أحصل على راحةٍ كافية؛ فأنا شخصٌ يُثمن غُرفته كثيراً ويعتزُ بتفاصيلها.

كنتُ أخطو على الدرج بتعب، لأن ظهري يؤلمني من الجلوس في الحافلة.. وبينما أقترب من الرواق المؤدي لغُرفتي سمعتُ صوت آرسلاند الذي بدا وكأنه يتحدث على الهاتِف، لكنه يتحدث بصوتٍ مُنخفض جداً لا أكاد أسمعهُ بوضوح! شعرتُ برغبة بالبقاء بنفس مكاني والتنصت عليه لكن للحظة صفعتني نفسي، لأن هذا مُنافٍ لمشاعري نحوه! لِما قد أسترقُ السمع على مُكالماتهِ، لذا عزمتُ أمري وأكملتُ خطواتي حتى وقفت في بداية الرواق وهو كان واقفاً في نهايتهِ.. حيثُ باب غُرفتهِ، يتحدث بشكلٍ جاد وعيناه تتحركان بقلقٍ غريب؟ لكنه سُرعان ما رآني حتى أنهى مكالمته واغلق الهاتف مُعيداً إياه في جيبه، مشيتُ بتعابيرٍ عاديةٍ جداً.. لم أُظهر له أنني فضولية بشأن من كان الذي يتحدث معه بكل هذا التركيز والإهتمام، أما هو فتقدم نحوي.. تحديدًا قُرب باب غُرفتي، وما أن صرنا وجهاً لوجه حتى أخذ يدي بين يده وأصبعه تجول على ظهرِ كفي بحركةٍ بطيئةٍ دافِئة، ويدهُ الأخرى صعدت حيثُ خُصلةٌ كستنائية منزلقةٍ على خدي.. أعادها خلف أذني واصبعه داعب وجنتي بينما يميل برأسه نحو كتفه قليلاً ويقول: تبدو فتاتي مُتعبة~

ابتسمت له بينما انفي برأسي بهدوء: مُتعبة من الطريق فقط، لا بأس.

استمر بالتمسيد بأصابعهِ على ظهرِ كفي ومُداعبة خدي نزولا لذقني: حسنًا إذن أدخلي لغرفتكِ وارتاحي جيدًا.

أومأت له بتفهم، وللحظةٍ شعرتُ كأنني طفلةٌ صغيرة معه! لم أعتد على هذا النوع من التميز والإهتمام في المُعاملة.. حيث أن الجميع يُعاملني كشخصٍ كبيرٍ ناضجٍ دائما، أما هو فيُعاملني بكُل الطُرق التي تُدهش قلبي.. حيث دنى بشفتيه وقبل أعلى جبتهي وبداية شعري، ثم مسح على خُصلاتي الناعمة بلُطفٍ باغت قلبي وجعلني ابتسم له، ربتُ على يدهُ وسحبتُ يدي ببطءٍ، ثم أشرت نحو الغُرفة باصبعي قبلما أقول: إذن سأدخل لأرتاح، وأنت أيضاً خُذ قُسطاً كافياً من النوم والراحة.

- هذا اختصاصي.. لا تقلقي.
ردَ ضاحِكا، فضحكتُ مع ضحكتهِ التي برزت من خلالهِا اسنانه المُرتبة بدقةٍ جيدة، ويكسوهن بياضٌ جذاب.. بالطبع الإبتسامة تليقُ بوجههِ المُلتحي هذا.. خاصة أنه لا يُظهرها كثيراً، لذا أشعر بالشوق لرؤيتها دومًا، ففي هذهِ اللحظة لم امنع نفسي من تأمله قليلاً قبلما أفتح باب الغرفة وأقول: حسنًا إذن، نوماً هانِئًا.

- ولكِ أيضا، جميلتي.
ودعني بهذهِ الكلمات مع بسمةٍ هادئة مُريحة قبلما أدلفُ لغُرفتي وأغلق الباب خلفي، حتى تلاشت صورته.. آرسلاند لا يتردد بقول كلمات الحُب والغزل عكسي؛ لأنني أخجل بعض الشيء، كما أن الأمر جديدٌ علي لذا أجد بعض الصعوبة لكن بالنسبة له؟ يبدو الأمر سهلاً.. وكأنه لديه تجارب سابقة! على ما يبدو..

جـــــوان:

جفَفتُ شعري بالمنشفة ببطءٍ كي لا يتقطع، خاصةً أنه يتساقط كثيراً في الفترة الأخيرة بسبب القلق الذي عشتهُ عندما ذهب جود إلى سوريا.. رغم انقضاء تلك الفترة لكنه يحتاج للعناية جيدًا، خاصةً مع تحسن نفسيتي بعد قضاء فترةٍ في الريف.. يمكنني القول بأنها كانت افضل ايام بحق! لقد عُدنا في ظهيرةِ هذا اليوم ودخلنا للنوم جميعاً بسبب التعب الذي أحتلنا بقوة.. أثر الجلوس الطويل في الحافلة، أتذكر طريق الذهاب لم يكن طويلاً ومتعبًا هكذا! لكن في العودة كُنا جميعاً نشعرُ بالملل، لهذا بعد أن عُدت وجلست مع أمي والخالة تالين قليلاً صعدتُ لغُرفتي ونِمتُ مُباشرةً دونما أُغير ملابسي، والآن استيقظت لأجد أن الشمس قد غربت وجاءت أمي لتُخبرني أن استحم وانزل للطابق السُفلي كي أتناول الطعام، لهذا أخذت حماماً بارِدًا بث بي الأنتعاش ولبست بيجامتي المُريحة البيضاء ذات الخربشاتِ ذات اللون السماوي الفاتح، مع قميصٍ بأكمامٍ قصيرة بنفس لون الخربشات، مشطتُ شعري ورتبتهُ ثم خرجت من غُرفتي.

لم أشا النزول وحدي، فأردتُ التأكد من وجود كريس بغُرفتهِ كي أخذهُ معي~ توجهت نحو باب غرفتهِ وطرقتُ الباب عدة طرقاتٍ لأسأل بعدها بصوتٍ مُلحن: كريس، هل أنت هُنا؟

لكن الرد لم يأتي! قطبت حاجبي قليلاً لكن لم أُبالي استدرت ومشيتُ نحو الدرج.. فربما هو نزل قبلي؟
بالكاد خطوتُ نحو الإستدارة لأضع قدمي على أول طبقات الدرج، حتى شعرتُ بجسدٍ طويلٍ ارتطم بي وكدنا ننزلقُ نحنُ الأثنين لولا تمسُك يده بمُحجر الدرج الحديدي بسُرعة، فبقى جسدهُ ثابتًا وجسدي الذي ارتطم به مُستندٌ على جسدهِ، كلتا كفيّ تشبثا بذراعيهِ القويتين وقلبي خق بقوة أثر الخوف الذي مشى بجسدي بعدما توقعت أن أسقُط وأصبح كوماً مسحوقًا من العظام، رفعتُ رأسي عن جانبِ كتفهِ بعدما تسلل لأنفي عطرُ نعناعٍ مُنعشٌ وبارد من ثيابه!
عيناي بحثتا عن الوجه مُباشرةً رغم شعوري بأنه هو.. لكن كُل حواسي كانت تُريد رؤيتهُ بشدة في تلك اللحظة، وكأن عيناي مُتعطشتانٍ لبحرٍ أزرقٍ يموجُ في قزحيتيهِ اللامعتانِ وهُن يُطالعنني بصدمة بعد ذلك الحادث الذي كاد يجعلنا كسيحان الآن~

ترقرقُ لون السماء في عينيهِ، وارتفعا حاجبيهِ بينما ينظرُ لي ولا يزالُ يحافظُ على ثباتهِ في امساكِ المُحجر الحديدي للدرج، وجسدي يُثقلُ عليه!

لم أكن أُفكر بأي شيءٍ بتاتًا في تلك اللحظة! حتى عطشُ نظراتي لعينيهِ لم أكن أرويه، لأنني للحظاتٍ غصتُ بشيءٍ لا أعرفهُ.. رُبما به أو بالمُستقبل؟ أو بشعورٍ غريب داهمني بالرغبة ببقاءهِ بهذا القُرب!

لم يوقظني سوى صوتهِ حين خرجَ بصعوبةٍ: أيتها الحمقاء أرفعي جسدكِ وإلا سنسقط معاً!

لا أكذبُ لو قُلت.. نسيتُ حقيقة موقفنا الآن وتهتُ بداخلي.. لكني سُرعان ما استوعبتُ صعوبة الوضع فأسندتُ يدي على ذراعهِ ورفعتُ جسدي حتى اعتدلتُ فوق الدرج، فدفع هو الآخر جسدهُ ليعتدل أيضًا ويأخذ انفاسه ثم يمسح وجهه بيدهِ وكأنه تخلص من قلق الموقف للتو: آوه كان هذا وشيكًا! لقد جئتُ لأرى أين غبتِ؟ عمتي أرسلتني إليكِ.

تحدث بعدها بشكلٍ أعتياديٍ وكأن شيئًا لم يحصُل، وكُل هذا بعدما نادني بالحمقاء! يا لهُ من وغدٍ أحمق! كيف يتجاهل مشاعري ويصفُني بالحقماء.. حسنًا كُنت حمقاء قليلاً، قليلاً جدًا لأنني شردتُ بهِ بينما كان سيسقط~ لكن مع هذا لا يجب أن يقول لي ذلك، ففي النهاية هو من اصطدم بي أصلا!

كتفتُ ذراعي، ورمقتهُ بطرف عيني بإنزعاجٍ ثم اشحتُ عنه لأتجاهلهُ وأمشي نحو الدرج، لم أرى كيف بدا وجهه بتلك اللحظة لكن شعرت به استدار ومشى خلفي، ولأنني أخذت خطواتي الأولى بعقلٍ مُشتتٍ مع كريس وبحركةٍ سريعة هوجاء، انزلقت قدمي مرة أخرى وكدت اسقط حتى أنني صرخت بسرعة وخرج صوتي عالياً، لكن يد كريس سُرعان ما قبضت على معصمي وشهقتُ أنا انفاسي! حتمًا قلبي أجفل هذهِ المرة ونبض بقوةٍ أكبر جعلتني اخذ الهواء بصعوبة، أعدل كريس جسدي مرة أخرى واقترب بجانبي، وزرقاويتيهِ يُناظرنني بدهشةٍ قطٍ هادئ: هل أنتِ بخير؟

كنتُ مدهوشةً بصمتٍ أيضًا.. ما هذا الغباء جوان؟ هل أنتِ حمقاء؟ أم انكِ تُريدين الموت اليوم؟
كُل تلك الاسئلة انبثقت من داخلي لنفسي، لكنني تجاهلتها كلها دونما أُبالي بنوع التعبير الذي يبدو على وجهي وأومأت لكريس: نعم، نعم لا تقلق هيا بنا للعشاء~

امسكتُ ذراعه بنهاية كلامي، وتشبثت به بينما اسحبه معي للنزل معا دونما أهتم برأيه حتى، لأنني أخشى سقوطي مرة أخرى.. وفي وسط طريقنا كان هو مطيعا لي لذا نظرت له بإبتسامة واسعة تنمُ عن رضاي، فضيق عينيه نحوي: ما هذا اللطف المفاجئ؟

لاحظت أننا اوشكنا على النزول فقلبت تعابيري لأخرى مُستفزة بينما أُجيبه بصراحة: ليس لطفاً من أجلك لكنني أخشى السقوط فأُريد الاحتماء بك~

لكنه لم يغضب! بل أبتسم بجانبية وقال: من الواجب علينا مُساعدة أي أنسانٍ كفيف~

مددتُ شفتي للأمام ورمقتهُ بنظراتٍ مباشرة بعتب~
أنا من حقي التنمُر عليه، لكن هو يتنمرُ علي؟ هذا غير مسموح! ضربتُ كتفه بكتفي بقوة، وتركتهُ خلفي واتجهتُ نحو غُرفة الطعام، سمعته يتأوه بألم خلفي ودخل من بعدي يُمسك كتفه، كانت كُل العائلة موجودة.. فنظروا له بإهتمامٍ وتسائلوا عن أمر كتفهِ، تصرفتُ ببراءة وأخذتُ كُرسيًا بجانب كارمن وجلست.

شعرتُ بنظراتهِ تخترقني بتحديقٍ قوي، إلا أنني صمدتُ بتجاهُلي واستمتعتُ لشكاوه لهم بدراميته المُعتادة: ألم تسمعوا بمقولة "علمتهُ الرماية فلما اشتد ساعدهُ صوبَ نحوي"؟ بالضبط هذا ما حدث لي.. تم غدري.

نظر جود نحوي بتركيز فرمشتُ ببراءة، ابتسم بسُخرية وقال لكريس: ضربتك جوان مرةً أُخرى؟

أومأ كريس بتمسكُنٍ وأخذ كُرسيهِ بجانب آرسلاند، لكن جود لم يصمت بل اردف مُكملاً: لا أذكر أنك علمتها شيئا، كانت دوماً تُباشر هي بضربك وتجعلك تذهب باكيًا إلى الخالة تالين.

فغر كريس فاهه ورمش بصدمة، بعدها زم شفته وتنفس بوضوحٍ ليقول: طبعاً لإن الرجال لا يضربون النساء يا أحمق!

همهم جود دونما يرد، فاشارت الخالة تالين ليتناول طعامه بهدوء، وكذلك شرعتُ أنا بتناول طعامي بصمت مُتجاهلة وجه كريس ذو التعابير المُتعالية.. سنرى يا كريس~

يـولانـد:

كانت الساعة تُشير للثانية عشر مُنتصف الليل، وقد تهيأتُ للنوم ودخلتُ في فراشي لكن رسالة من جود جعلتني اعتدل بجسدي حتى أقرأها بإهتمامٍ، وكان محتواها «دعينا نذهب معاً غدًا، نرى المطعم ثم أوصلكِ لمنزلكِ.. ما رأيكِ؟».

لم أفكر كثيرا، فقد كان اقتراحاً جيدًا بالنسبة لي لأنني سأحظى بوقتٍ أضافيٍ معه، وسنرى المكان الذي يريد شراءه كمطعم له~ وأيضاً أبي مشغول لا يجب أن أشغلهُ أكثر عن عمله..

الأبتسامة اكتسحت وجهي وشعورٌ ناعمٌ لطيفٌ داعب قلبي، واخذت اصابعي تكتُب له بمتعة «حسنًا، موافقة! تُصبح على خير». أدرجتُ في نهاية عبارتي مُلصقًا صغيراً لقلبٍ أحمر~ ثم أغلقتُ الهاتِف وخلدتُ للنوم.. بشوقٍ لصباحٍ أجمل معه.

________________

وبالطبع لم يكُن الصُبح بعيدًا حيث استيقظتُ على رنين الهاتِف الذي تركته بجانب وسادتي، لم أقرأ أسم المُتصل فقط فتحتُ الاتصال ووضعت الهاتِف على أذني بعيد غيابي في نومٍ عميق.. لكن شيءٌ انتفض بجسدي عندما تسلل صوتٌ أجش وثقيل من سُماعة الهاتف، عندما قال جود بلهجةٍ أمريكية: صباح الخير حبيبتي.

هذهِ كانت أفتتاحيةُ صباحي، وقد بدأتها بأبتسامةٍ واسعةٍ كذلك.. نمتُ مُبتسمة بفضلهِ واستقيظتُ مُبتسمةً بفضله مما جعلني أشعر بطاقة لطيفة تسري في كُل جسدي.. فهذا الشعور الذي يبثهُ وجوده بروحي، جميلٌ جداً!

أجبتهُ بصوتٍ نعِس ومُتثاقل لكن بانَ عليه الأبتسامة التي شقت طريقها في شفتيّ: صباحُ النور حبيبي~

سمعتُ ضحكةً خفيفةً بصوتهِ الرجولي الرخم من خلفِ الهاتِف، فهو يُحب هذهِ الكلماتُ مني.. هكذا أخبرني يوماً، إلا إنهُ أردفَ مُتسائِلاً: هل أنتِ مُستعدة لمغادرة السرير؟

بصراحة أنا مُتعبة اليوم أكثر من الأمس..
وكأن التعب المُتراكم بدأ بالظهور اليوم، لكنني ابتسمتُ وأجبته بما في فكري بصدق: بصراحة الدافع الحقيقي الوحيد الذي يجعلني أتحرك من السرير الآن، هو أنت.

فأجاب بصوتٍ بهِ بعضُ الهيام مع جديةٍ ورغبة قوية بإيصالِ شعورٍ أو فكرةٍ ما: وبصراحة الدافع الحقيقي الوحيد الذي يجعلني أعيشُ وأرغب بالأستيقاظ كُل يوم هو أنتِ.

لقد نجح حقاً بجعلي اتحرك على السرير مثل شخصٍ صُعق بالكهرباء للتو.. حقاً أخذت اتدحرج يميناً ويسارًا وكمٌ هائِلٌ من المشاعر الجميلة التي باغتتني!

يا إللهي! كيف للكلمات أن تكون قادرة على ازاحة التعب والنُعاس والتفكير الذي لا معنى لها، الكلمات تُحيّ حتمًا!

فبهذهِ الجُملة فقط أشعر برغبة قويةً بالنهوض الآن، والإنطلاق في الحياة.. لكن رغم كُل هذا تماسكتُ وقلتُ له بثقة: أعلم أن وجودي يُلهمك للحياة~

- صدقتِ~
قال هذهِ الكلمة بنبرةٍ مُبتهجة لكن سُرعان ما أعقبها صوت أنذارٍ بإنتهاء رصيده ولم نوشك على قول شيءٍ آخر.. إذ انقطع الإتصال فجأة!

حينها قفزتُ من سريري بسُرعة مُتجاهلةً كسلَ جسدي، حيث أنه مدني بالطاقة منذُ أول لحظات استيقاظي.

توجهت بسُرعة نحو الحمام غسلت وجهي واسناني ثم اخترت ملابسي بعناية، إذ انتقيتُ قميصًا أخضرًا غامق مع بنطالٍ جينز ضيق وحذاءًا ابيض.. فتحت أول زرين للقميص حتى أكشف عظمتا تروقتي وطويت ياقته للخلف، ارتديت بيدي أسوارةً فضية ناعمة وجمعتُ شعري بجديلةٍ بسيطة، تركت خصلة صغيرةً على جانب وجهي.. مع القليل من مساخيق التجميل حتى بدوت قانعة جداً عن مظهري.. إذ كان منعشًا وأنيقاً بذات الوقت، لهذا أحب نفسي أنها تفهمني جيداً.. وتنجحُ بإبهاري دوماً~

خرجتُ من غُرفتي مع حقائبي الكبيرة وكنت اسحبهن بصعوبة، لكن صادف خروج كريس من غرفته بذات الوقت ويبدو أنه مُستيقظ مبكراً من أجل الذهاب للعمل، لكنه كان لا يزال بثياب نومه وآثار النُعاس علة وجهه، يدلك كلتا عينيه بكسل.. حدق نحوي ثم رمش بإستغراب وتقدم يتسائل بوجهٍ مُحتشدٍ بالأسئلة: إلى أين!

سؤالٌ تعجُبي طرحه وهو ينظر للحقائب ثم لي، ابتسمت لأكسر صدمته: العودة للمنزل~

- لما لا تبقين لعدة أيامٍ آخرى!

- شكراً جزيلا، لكن حقاً لدي الكثير من العمل وعائلتي بإنتظاري.

أنه جاد بعروضه هذهِ، فأجبته بنفس الجدية وتفهم الأمر ثم دنا ليمد يده كي أعطيه الحقائب: دعيني اساعدكِ.

لم أرفضه بل كُنت مُمتنة وشاكرة لأنه ساعدني، فنزلنا معا نسحبُ الحقائب حتى وصلنا نهاية الدرج خرج جود من المطبخ مع ملعقته الخشبية وقال: اركنا الحقائب جانبًا وتعالا لتناول الفطور.

- أوه حبيبي جود.. كم أحبك.
قال كريس بدرامية بعدما ركن الحقائب ودخل للمطبخ بحماس، فلحقت به.. سبقني بأخذ كُرسيٍ على الطاولة، كان جود يبتسم على درامية كريس بينما يقتربُ بمأزره مع المقلاة المليئة بالبيض مع بعض المُقبلات من حزرٍ وأكرفسٍ أخضر، انزلها بالصحن الكبير برفق حتى تبقى متماسكة.

أنه فنانٌ بالطبخ بحق! صفقت يدي بحماسٍ صغير والابتسامة اتسعت في وجهي.. وأثق بأن عيناي لمعتا بأعجابٍ نحوه، فتبسم لي قبلما يلتاف بظهره مع المقلاة الفارغة، مد كريس شوكته واخذ أول قضمة ليتذوقها، لكنه اغمض عينيه بهيامٍ وهمهم بأستماعٍ وهو يمضغ: حقاً أُحبك.

نظرت له وضحكت على تعابيره، ثم اخذت أنا القضمة الثانية.. وبالطبع كان مذاقها لذيذاً جداً! نظرت لكريس بدهشة وحاجبان مرفوعان فواقني الرأي! بإيماءةٍ مُتحمسة، جاء جود مع أبريق الشاي وجلس أمامنا ينظر لنا بابتسامة مريحة، فأثنيتُ له سريعاً: سلِمت يداك الطعام لذيذ بحق! تُبهرنا بمهاراتك دوماً.

اخذ يسكبُ الشاي في الأكواب بهدوءٍ ورتابةٍ تشدُ الأبصار، تتحرك عضلات ساعديه بجاذبية وخصلته الفاحمة تتمردُ على سمارِ خده.. لأشرد به بأعجابٍ شديد خفي، ابتسم لكلماتي وقال بعدما رفع عيناه الداكنتان نحوي ونحو كريس ليقول: لهذا أُحب الطبخ، فردات الفعل التي أتلقاه منكم تجعلني مُمتن لمهاراتي بالطبخ، ولأن الطعام يسعدكم.. يُسغدني أن أراكم سعداء أثناء تناول الأطباق المختلفة.

استطيعُ التماس صدق شعوره في كلماته..
دائما يطبخُ للجميع في كل الأحول، حتى لو كان مُتعبًا.. لأنه يُسعد بسعادة الآخرين، جود حقًا لديه قلبا طيبا وحنونا.. لم اكن أراه بهذا العُمق سابقًا، لكن الآن أشعر بالإمتنان لوجوده في حياتي.

مددتُ يدي لأمسك باطراف اصابع يده التي ترقد على الطاولة، شددتُ عليهُن بلُطفٍ واعطيته نظرة لامعة: نحنُ محظوظون لوجودك بيننا.

كاد يرفع يده ليداعب خدي لكن كريس تحمحم بصوتٍ مُرتفع ووبخنا كأنه رجلٌ عجوز: تأدبا، أنا هُنا.

________________

كـريـس:

تناولتُ اليوم ألذُ فطورٍ من تحت أنامل جود الرائعة، استمعتُ بالوجبة جداً لكنني كُنت مُضطرًا للأستعجال من أجل الذهاب للشركة، كان هذا اليوم الأخير ليولاند بيننا حقاً سأفتقدها، لديها روحٌ حيوية ومُشعة في المكان! كما أنني قلقٌ بشأن جود.. ربما يحزن بذهابها، لكن الأسوأ هو شعور كارمن.. لقد اعتادت على عائلتها خلال هذهِ الفترة لذا ستشتاق لهم وتفتقدهم كثيرا؛
عليّ الإنتباه لها هذهِ الأيام..

ودعتُ يولا وتركتُ كارمن خلفي تودعها أيضًا، كُنت على عجلةٍ من أمري لأن الكثير من الأعمال بإنتظاري.. لكن هذا لا يمنع اهتمامي بمظهري بالطبع، كُنت حريصًا على العودة بشكلٍ لامعٍ وبراق~

لذا ارتديتُ قميصاً أبيض تحت البذلة الزرقاء الفاتحة، ارفقتهن بساعةٍ فضية مُضيئة وصففتُ شعري بترتيب، يمكنني القول أنني ابدو مثاليا في المرآة ~

جوان تأخرت وتركتني انتظرُها في السيارة مطولاً، رغم أنني نوهتُ عليها كي لا تتأخر لأن لدي اجتماعاً مُهم سيبدأ مع أحد أهم المُستثمرين بعد نصف ساعة! حسنًا لم اخبرها أن لدي اجتماع، لكن أخبرتها ألا تتأخر..

حاولت الإتصال بها مرارًا بينما كُنت في سيارتي الحمراء، لكنها لم ترد على هاتفها.. بذات الوقت اتصلت بي مُساعدتي لتُخبرني عن حضور المُستثمرين مُبكراً، فما كان لي سوى أن أُحرك سيارتي وأتجهُ نحو الشركة مُتجاهلا جوان، أن كانت ستأتي أو لا!
فأنا لا يُعجبني الإهمال هذا..

شعرتُ ببعض الغضب للحظات بينما كنتُ أقود مُسرعًا، لكنني فتحت الراديو على موسيقى صباحية لطيفة.. ساعدتني بتهدأة أعصابي، وحاولت تخفيف السُرعة خشيةً من الأضرار التي يخبرني عنها أبي وآرس دوماً.

عندما وصلتُ الشركة حظيتُ بترحيبٍ حارٍ ولطيفٍ من جميع الموظفين، ولاحظت السعادة على وجوههم برؤيتي، أعلم أنهم يفضلوني على أبي أحيانا لهذا اغيضه دوماً قائلا بأنهم سيجعلوني الرئيس بدلاً عنه.

وأنا حقاً احبهم وأسعدُ بالعمل معهم، لأنني احب عملي جداً وأحب الأناقة والأزياء أكون حريصاً دوما على قبول الشغوفين والمُحبين لهذا العمل ايضاً.. وكذلك امنحهم الفرصة للتعبير عن طاقة أبداعهم وشبابهم من خلال شركتنا.

أول ما اقتربت من غرفة مكتبتي ظهرت بوجهي مساعدتي بتعابيرٍ مُضطربة بين السعادة والقلق لكن سرعان ما القيت عليها التحية، فتنهدت براحة: أنت هُنا سيد كريستيان! كيف حالك؟ كُنت أخشى أنك ستتأخر..

تحدثت بوتيرةٍ سريعة دونما تأخذ نفساً بعد تنهيدتها الأخيرة، ضحكت على تعابيرها ومددت يدي لآخذ الملف الأسود الذي بين يديها: خذي أنفاسكِ تينا، أنا كريستيان هنري.. لم أتأخر يوماً عن اجتماع ~

- معك حق سيد كريستيان، لكنني أقلق كثيراً.
بررت بأحراجٍ.. هي حقاً تقلق رغم شدة حرصها على العمل، لكن هذا ما يجعلني مُطمئن لكونها مُساعدتي.

طمئنتها ببسمة صغيرة بينما تحركت ناحية غرفة الأجتماعات: لا تقلقي، هيا بنا لنُبهرهم ~

أنا واثقٌ تمام الثقة بأنهم سيوافقون على الإستثمار دون تردد بعد هذا الأجتماع.

___________

بعد مرور ساعة وأخيرًا استطعت رميَ جسدي على الكُرسي الجلدي القابع خلف مكتبي، وجدتُ قارورة ماءٍ باردة تركتها لي مساعدتي مع عصير ليمونٍ مُنعش، لكنني أخذت الماء لأرتشف منه براحة.. لقد قمتُ بعملٍ جيد، وأشعر بالرضا عن نفسي الآن.

لا يزالُ لدي الكثير من التصاميم لتقيمها والملفات لتوقيعها، تتراكم المُستندات وأرواق الرسومات فوق مكتبي.. اطلعها بصمتٍ وأفكر من أين أبدأ؟

خاصة مع هذا الهدوء الذي يعمُ المكتب، فلا صوت سوى صوت مكيف الهواء الذي ينفح نسمات عليلة تجعلني انتعش وامددُ جسدي براحةٍ في الكُرسي، هذهِ الطقوس المُريحة تمنحني قدرة جيدةً للتفكير..

لكن فجأة ودون سابق إنذار فُتِح باب المكتب بقوة جعلتني انتفض من كُرسيّ بسرعة! للحظة لم أعرف ماذا حصل سوى أن الباب انفتح وأُغلق بصفعة قوية أعقبها ظهور جوان!

كانت تتقدم نحوي بعيونٍ نارية غاضبة وشعرها البُني يتطاير خلفها.. إذ يرتفع وينخفض مع حركة جسدها الثائر.. بدا المشهدُ سريعاً حينما تقدمت بخطواتها الواسعة ناحية مكتبي، تحديدًا خلفه! حيثُ كنتُ أجلس أنا.

عيناي اتسعتا بصدمة، لم أكن أفهم ماذا يحدث؟ أذ قطبت حاجبي بإستفهامٍ، لكنها انكبت نحوي سريعاً، ضربت المكتب الخشبي بيدها بقوة حتى أرتج بجانبي، ثم حدقت بي بنظرةٍ غاضبة كأنها بُركانٌ على وشكِ نفث حُممهِ، وبكلماتٍ مُشددة قالت: كيف تتركني وأنت تعلم أنني سأتأخر عن العمل بدون سيارتك؟

أجزمُ أنها بأوجِ حالات غضبها الآن، لذا لم أشأ مُناقشتها حتى لا يثور الوضع بيننا، فقط بقيتُ ساكناً في مكاني أحدق بها بهدوءٍ حتى انتهت من كلامها فحركت كُرسي للأمام، مُشيحًا انظاري عنها ومددت يدي لأمسك بأحد الملفات المُدرجة بقُربي: نتحدث بهذا في ما بعد، لدي عمل في الوقت الراهن.

قُبلت بالصمتِ لثوانٍ قصيرة، لا أعلم ماهو تعبير وجهها بتلك اللحظة، لكنها بحركةٍ سريعة سحبت كُرسي ناحيتها مُجبرة أياي على الألتفات نحوها، ثم اسندت ذراعيها على مسندي الكُرسي الذي أجلس عليه، حتى حاصرتني بكامل جسدها.. صارت فوقي بشكلٍ قريب، اسمع انفاسها الحارة وهي تتعالى بغضبٍ في صدرها وأرى الخصام الشديد في بُنيتيها اللتان تُحدقن نحو زرقاويتيّ بدقة، تكادُ تُمزقني بنظراتها تلك! ما خطبها؟ رفعتُ حاجبي لها بإستفسارٍ عن حركتها تلك.. بينما هي مُشتعلة بنارِ الغضب، كنتُ هادِئاً بشكلٍ بارد، فرفعت شفتها العُليا المرسومة بروجٍ بُنيٍ مُحمؤ غامق اللون: هل تتجاهلني الآن؟ وأنت ترى كم أنا غاضبة من تصرُفك!

لم أُجبها، بل بقيتُ بنفس الهدوء والثبات أحدق بهيئتها بصمتٍ وسكون، كانت ترتدي قميصاً أبيض يكشفُ عُنقها الذي تضع عليه ربطةً زرقاء مع بعض الألوان المُزركشة، مع بنطالٍ أزرقٍ غامقٍ وواسع.. بالإضافة لمكياجٍ دقيقٍ ومُرتب، وشعرٍ مُصفف بعناية للوراء خلف أذنها، بشكلٍ يجعل عنقها وربطتها الصغيؤة اكثر بروزاً.. بهذهِ الهيئة الأنيقة والدقيقة فهي حتماً ستتأخر!

لكن حين لم امنحها ردًا لأننا داخل الشركة، أردفت هي بردة فعلٍ أكثر شراسة أذ ضربت جانب الكُرسي بيدها مرةً أخرى وتحدثت بلهجةٍ شديدة: أجبني كريس! تحدث.

- جوان، نحنُ بالعمل الآن.. أهدأي.
أعلم أنها غاضبة جداً، ولا أريدها أن تستفز غضبي أكثر، رغم تجاهلي لتأخرها في الصباح مع أنني غضبت لكنها الآن تُجاهد لأحياء الغضب مجددًا.

قربت وجهها من وجهي أكثر وهبطت معها رائحة عطرها: هل تُدرك أنني تأخرت على العمل بسببك؟

خرجت كلماتها بشدة وهي تصكُ أسنانها بغضبٍ تحاول تفريغه بهدوء.. لكن عفواً؟ تأخرت بسببي.
نظرت داخل عينها بنظرة أشد قوة، أذ شعرت بسكوني ينسحبُ مني شيئًا فشيء، فقلت مُشددًا على كلماتي بصوتٍ هادئ وجاد: بسببي؟ هل تُدركين أنني لو بقيتُ واقفاً أنتظركِ كنت سأفوت الإجتماع!

- كان بإمكانك أخباري!
حسنًا.. هُنا تم أستفزازي حقاً، هي لم تُجب على هاتفها حتى عندما اتصلت بها! لم احتمل أكثر، فرفعت جسدي عن الكُرسي دون سابق إنذار.. لاحظت هي حركتي فأبعدت رأسها قليلا، كي لا نرتطم ببعضنا، لكنني كُنت قريبا منها لدرجة الإلتصاق.. ولم يكن خلفها سوى المكتب، إذن؟ تمت مُحاصرتها مثلما فعلت معي قبل قليل.. فلاحظتها تهدأ مثل قطةٍ تم ترويضها وتتراجع خطوةً للوراء حتى يرتطم جسدها بالمنضدة الخشبية للمكتب..

لاحظتُ كيف رمشت بعينيها واطرقت بانظارها نحو كتفي، بانَ عليها توترٌ طفيف ويداها تمسكت بحافة الطاولة بقوة، رأيتها تزدرد ريقها وتزم شفتيها بصمتٍ في تلك الأثناء.. وبقيت أنا أُحدق بها بثباتٍ وأقتربُ منها، ضربت بيميني على سطح الطاولة وثبتت يدي هُناك، دنيتُ بجسدي عليها وصار وجهي قريباً من وجهها، قربت شفتي من أذنها وقلتُ بجدية: تتأخرين، ثم تأتين للمكتب وتثيرين المشاكل، ولا تستمعين لي حتى! ما هو تفسير هذه الأفعال اللامُبررة أثناء العمل؟

رُبما هي لم تكتشف بعد مدى اختلافي وجديتي في العمل! بالنسبة لي عندما أعمل ستكون كل الأمور على حِده.. لذا هذهِ التصرفات ربما أنا ككريس أتقبلها، لكن موضع العمل.. لا يتقبلها، وأنا أحترمُ زمان ومكان كُل حال، لذا رغم هزلي ومُزاحي إلا إن العمل بالنسبة لي شيءٌ مهم، لا يخضع للمزاح ولا المجاملات ولا الجدالات.. لا مجال سوى لأتقانه وممارسته ومناقشته لو احتاج الأمر.

بدأت انفاسها تثقل ونظراتها ضاعت بشيءٍ ما، لكنها استغربت بشكلٍ واضحٍ على وجهها.. وأرادت تحريك شفتيها لكنها لم تنطق، رموشها تثاقلت وقزحيتيها اختفتا خلف جفنيها عندما اغلقتهن لتسحب الهواء من المحيط بنفسٍ عميقٍ أخذته وشدت جسدها بقوةٍ شعرتُ بها، بالقُرب من جسدي، ضيقتُ نظراتي أرتقبُ ردة فعلها: أنا غاضبة لأنك لم تخبرني كي أتدبر أمري وأحصل على سيارة أجرة مبكراً.

بمهارةٍ اخفت ارتباكها بكلماتٍ ارتجلتها سريعاً، مُتظاهرةً بصلابةٍ وصمود، وتلت كلماتها بفعلٍ صغير، أذ رفعت إحدى يديها عن الطاولة ووضعتها أمام كتفي، فوق قلبي قليلا لتدفعني بمهلٍ وهي تُشيح جانبًا هذهِ المرة: وأبتعد قليلاً، أنت تُضايقني هكذا..

تحدثت بصوتٍ مُنخفض وبدا عليه الإرتباك الذي جاهدتْ بإخفاءه، أنا لم أكُن أركز بلغة جسدها سابقاً.. لكنني لدي خبرة طويلة مع الموظفين وتصرفاتهم، لذا هذه المرة ركزتُ بها كموظفة واكتشفت الكثير! لما هي متوترة الآن؟

قبل قليل قامت بحشري على الكُرسي وعندما فعلتُ المثل قالت تُضايقني! بصراحةٍ جعلتني أضحك بسخرية، وبعنادٍ ثبتُ ذراعيّ حولها وقربتُ وجهي من وجهها.. مسافةٌ قصيرة جعلتني الاحظ كم توترت نظراتها فوق وجهي وصار تنفسها الصعب واضحاً لي، إضافة لتهرب عيناها عن وجهي، لكنني استمريتُ أحدق بها لأقول: من بدأ اللعبة عليهِ تحمُل مسؤولية النتائج~

قطبت حاجبيها واحتدت بُندقيتيها نحوي، بنظرةٍ جعلتني أرفعُ حاجبيَّ لها بتعجب من ردة فعلها هذهِ، لم أنطق شيء لأنها ستثور غضباً أكثر وربما تُحطم المكتب على رأسي.. لكن أحببتُ العبث قليلاً، حيثُ جولت نظراتي على وجهها الذي تتبعثرُ فوقهُ حباتُ خالٍ لطيفة منقوشةٌ فوق وجنتيها وقُرب شفتيها، لأول مرةٍ أُدقق هكذا بوجهِ جوان..

سُرعان ما عُدت للتركيز على هدفي ورفعت اصابع يدي اليُمنى بحركةٍ خفيفةٍ وخاطفة حتى امسكتُ بطرفِ الربطة الناعمة التي تلُفها على عُنقها، كانت رخوةٌ بعض الشي فبسهولةٍ سحبتُ طرفها لتنزلقَ مفتوحةً بيديّ.. اصابعي لامست عنقها بشكلٍ طفيفٍ فشعرت بتصلبهِ تحت لمساتي، هي بدت مصدومة ومتجمدة في ذات اللحظة فتقربتُ بشفتي من أذنها لأهمس بعبث: عندما تشعرين بالأختناق من الغضب، تحرري من الأناقة.

رفعتُ لها الربطة في نهاية حديثي وابتعدت عن أذنها لترى تعابيري المُبتسمة بهدوءٍ مُشاغب، بينما هي مُتشجنة وبالكاد تتنفسُ جيدًا إلا أن نظراتها الحادة لم تتغير، د وأوشكت على دفعي بعدما سحبت الربطة من يدي بقوة.. لكنني لحسن الحظ توقعت حركتها التالية فأبتعدت سريعاً عن طريقها، زجرتني بنظرةٍ أخيرة قبلما تبتعد ماشيةً نحو الباب بسرعة وهي تقول كلماتٍ غير مفهمومة.. بالتأكيد كانت تسبُني وأنا كنتُ ابتسم بجانبيةٍ أبتسامة النصر.. الغضب لا يحتاج غضباً أقوى منه ليهزمه، أنما هدوءًا ثابتاً ~

____________

شنو توقعاتكم عن آرس؟

يولا وجود راح يكونو قرب بعض دوم~
رأيكم باحداثهم؟

مشهد الدرج وتنمر جود على كريس؟

غضب جوان؟

جانب كريس الرئيس؟~

تصرفه مع جوان؟

ومشهدهم الأخير؟

اكثر مشهد ضحككم؟

اكثر مشهد حبيتو؟

حُب كبير ❤✨.

"ونسألك دوافع المضيّ لمن يصارع فتور العزم، والرحمة لمن ينظر بعيون الوجع بإصرار التعافي، والجبر لمن يتهشّم أمله في سُبل الترقّب، والقبول لقلوبٍ تتشفّع برحمتك، وتركَن لتفضّلك. كثيرون نحن بهبَاتك رغم افتقارنا، وراسخون برعايتك وإن طوّقتنا النوازل، وقادرون، لأنك أنتَ الله ربّنا" ♡.

Comment